بقلم : الغضنفر
في إطار الاحتفالات بالذكرى الـ71 لاندلاع “ثورة أول نوفمبر الجزائرية”، التي تزامنت هذه السنة مع النكبة الكبرى لقضيتنا الصحراوية إثر صدور التوصية رقم 2797 بمجلس الأمن، ترأس “عبد المجيد تبون”، بصفته رئيس الجمهورية و القائد الأعلى للقوات المسلحة و وزير الدفاع الوطني، يوم السبت الماضي (1 نوفمبر 2025) بقصر الشعب، حفل توشيح عدد من القيادات بالجيش بأوسمة، بعد مصادقة البرلمان على قانونين استحدثا 19 وسامًا عسكريًا جديدًا، حيث حاز “السعيد شنقريحة“، رئيس أركان الجيش، لوحده على ثلاثة نياشين و هم: “وسام القيادة العملياتية”و “وسام مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة”و “وسام التميز العلمي”.… و هذه ليست المرة الأولى – و لن تكون الأخيرة- التي يتم فيها توشيح “شنقريحة”؛ إذ سبق للرئيس الجزائري أن منحه في 4 يوليوز 2024 “وسام الشجاعة”… !!!؟
هناك مثل مغربي يقول : “آش خاصك يا العريان ؟؟ خاتم يامولاي !!“؛ ففي النظام الجزائري، الذي يضج بالعجائب والغرائب، تبدو العديد من المبادرات و كأنها مشاهد مقتبسة من مسرحيات كوميدية، إذ من المضحك المُبكي أن يجتهد برلمان بلاد المليون و نصف شهيد لاستحداث قانونين يتم بموجبهما استصدار 19 وساما جديدا، عوض أن يتم التفكير في مشاريع قوانين لتحسين معيشة المواطن، الذي تم تدجينه ليصبح معتادا على الطوابير في حياته اليومية، مع العلم أنه لم تكن هناك ضرورة لاختلاق مزيد من الأوسمة العسكرية بما أن الجيش الجزائري لم يخض أي حرب حقيقية منذ تأسيسه و أن مجمل معاركه تقتصر على محاربة الإرهاب و تنظيمات المجرمين و تجار المخدرات، و هي عمليات دونكيشوتية لا يمكن التمييز فيها بين الواقع و الخيال، مع أن مجال مكافحة الجريمة بكل أنواعها هو اختصاص الأجهزة الأمنية في الدول الأخرى و ليس المؤسسة العسكرية…
قضية التوشيحات و منح الأوسمة والنياشين ليست عملية عبثية في الدول التي تحترم نفسها؛ بل هي إجراءات تخضع لضوابط و مساطر محددة، و في الأصل هي عبارة عن تكريم معنوي عالٍ، يُمنح لشخصية مادية أو معنوية من سلطة أكبر و أعلى منها اعترافًا لها ببطولة أو خدمة عظيمة أو إنجاز بارز، سواء كان عسكريًا أو مدنيًا، أما عندما يتم التكريم من سلطة في نفس المستوى أو أقل فذلك يدخل في باب الرشوة أو المحاباة فقط، كما يمكن أن يتم التوشيح من جهة رسمية أو غير رسمية خارجية في إطار علاقات الصداقة و التعاون بين الدول، و بالتالي فلا معنى للتوشيحات التي يحصل عليها “شنقريحة”، في كل مناسبة، لأن ذلك يعني بأن الرجل يُكرِّم نفسه بنفسه، إذ أن الجميع يعرف بأنه هو الحاكم الفعلي للبلاد.
منتهى الاستخفاف و الجهل أن يتسلم قائد الجيش “وسام التميز العلمي” و هو الذي يتهجّأ بصعوبة بالغة الكلمات عندما يلقي خطابا فتخرج الكلمات مشوّهة التفعيلة و المعنى من لسانه، لذلك استغرب كيف لرجل بهذا الضعف اللغوي و المستوى الدراسي البسيط أن يكون متميزا في العلوم ؟!!!.. فارحموا الشعب الجزائري الكريم و معه إخوان لنا في مخيمات تندوف، أُجبِروا من طرف حكام قصر المرادية على قضاء سنوات أعمارهم على شواطئ الخيبات يتفرجون على غروب أحلامهم وطناً وطناً…وطن أقبرت مستقبله الطغمة العسكرية الحاكمة والآخر تبخرت معالمه مع توصية مجلس الأمن 2797، ولا يراهنن أحد من حكام الجزائر و لا البيت الاصفر بالرابوني على الاستمرار في استغفال عقول الناس؛ لأن الناس مازالوا يملكون ناصية الوعي ويمسكون بتلابيبه… فقيمة الوسام ليس في الرقبة التي تُعلَّق عليه، بل في القيمة التي يحملها.
فمن بين الروايات الساخرة التي سبق لي أن قرأتها و التي تتقاطع في كثير من التفاصيل بما يقع داخل النظام الجزائري من توشيحات عجيبة لقائد الجيش “شنقريحة”، هناك واحدة تحمل عنوان: “الحمار الحائز على وسام الجمهوريّة”، للروائي اليمني “عبدالله سالم باوزير”، تحكي القصة عن طالب من اليمن في موسكو، وُصف بأنه مناضل جسور، وقيل إنه شارك في الثورة منذ نعومة أظفاره، وأنه صعد الجبال في آخر سنوات النضال يحمل الماء للمجاهدين، لكن المفارقة أن اللجنة التي كانت تشرف على الترشيحات اكتشفت من باب التلكؤ و البيروقراطية و الغيرة أن الطفل كان حينذاك في السابعة من عمره، والماء الذي حمله لم يكن على ظهره، بل على ظهر حمار.… وهكذا يبدأ السؤال المحوري: من الذي ناضل فعلًا؟ الطفل أم الحمار؟… فتنعقد لجنة رسمية أعلى في صنعاء لتبتّ في هذا الإشكال، وتقرّر أن الحمار هو الأحقّ بالوسام و تبدأ رحلة البحث عن الحيوان المرشح، ليُكتشف أنه مات أثناء أداء “واجبه الثوري”، حين أصابته قذيفة وهو ينقل سلاحًا على ظهره للمقاتلين... فيطرح السؤال من جديد: “هل من بديل؟”، فيجيب شيخ من القرية: “للحمار أخ من الرضاعة!“… في نهاية المطاف، يُعثر على أخ الحمار من الرضاعة، ويُوشَّح في احتفال رسمي وسامًا كان من المفترض أن يُمنح لمناضلين حقيقيين ماتوا دون أن تُذكر أسماؤهم.…
في قلب القصة التي كتبها الروائي اليمني “باوزير”، لا يكمن السؤال في كيفية نيل الحمار لوسام الجمهورية، بقدر النَّظر في لماذا تبدو هذه المفارقة ممكنة ومُقنعة إلى حدّ التهكّم أن يتلقّى حمار وسامًا رسميًا بينما يُستبعد مناضلون حقيقيّون؟… تشخيص دقيق لنظام مُختل المعايير – كما هو حال حليفنا الجزائري-، تُمنح فيه الأوسمة على أساس الارتباط، أو الظرف، أو حتى الخوف! (خوف “تبون” من غضب “شنقريحة”)… و يتحول الوسام في هذه القصة من رمز للتقدير إلى بضاعة عبثية، تُوضع على أجساد لا تفهم معناها، أو تُستبدل حسب الحاجة بروح أقرب إلى النكتة السوداء منها إلى الجدارة…. كما حدث مع “شنقريحة”.
كل ما في القصة يدفع القارئ للسؤال: ما معنى التقدير إذا كان يُوزَّع وفق المزاج؟ ما جدوى الوسام إذا كان يُعلّق على جدار النسيان لا على صدر المُستحِق؟… ففي زمن بحث النظام الجزائري عن الانجازات تفخخ أحلام الناس، ويطلق الرصاص على ذاكرتهم، ليدخلوا في عمر الذهول، لا عن شيخوخة، ولكن لأن الحكام العسكريين لهذا الوطن قد دخلوا سن اليأس والغرور، وأرادوا لشعبهم أن يدخلوا في غيبوبة الوعي وفي سكرات الموت لقصص عن بطولات ولدت ميتةً ومن العبث محاولة بعث الحياة في رميمها.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك