بـقـلـم :بن بطوش
يا له من أكتوبر !!… يرفض أن يتركنا قبل أن يُجهِز على أمانينا، و بينما نحن نبحث في العناوين الدولية لكبريات الصحف و المجلات و المنصات عن خبر أو تحليل يشرح أو يسرب أو يضيء عتمة ما يجري في كواليس الأمم المتحدة و مجلس الأمن…، أو عن تغطية مظاهرات “الطافيلات” و “الترْكة” التي حاول بها “هنتاتة” الرابوني إبلاغ العالم رفضنا -كشعب صحراوي- لسياسة الأمر الواقع…، لنكتشف أن الإعلام الدولي غير مهتم بما يجري لقضيتنا الصحراوية أمميا و لا للحراك المتاخر بالمخيمات، و إذا بالخبر الذي وحّد صحف العالم كان يتعلق بكشف جنسية اللصوص الثلاثة لمتحف اللوفر بفرنسا، حيث يُقال بأن اثنان منهما جزائريان و الثالث من دولة مالي، هم الذين تجرأوا على مجوهرات و حلي أسرة “نابليون” التي تقدر بحوال 80 مليون أورو…، و كأن كل ما كان ينقص النظام الجزائري في الظرفية الحالية هو أن يتسبب لصوص يحملون جنسية هذا البلد في أزمة أخرى مع وزارة الداخلية الفرنسية، و التي تبحث عن الذرائع لخفض حصة التأشيرات الممنوحة للطلبة الجزائريين.
حتى الداخل الجزائري يغلي و يشق الجيوب لكن هذه المرة بسبب ما أصبح يعرف على وسائل التواصل الاجتماعي بـ قضية #السوري_قالها_دوري_دارت ، حيث أقدم سائح فلسطيني، يدّعي أنه سوري، أثناء لقائه بمؤثرتين جزائريتين صوّر معهما مقطعا و طلب منهما الالتفاف و إبراز مفاتنهما، فنفذتا طلبه عن طيب خاطر و دون تفكير و رقصتا له، ليحقق المقطع الذي شاركه “السائح السوري” عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع متابعيه، انتشارا واسعا و يلقى تفاعلا تجاوز الـ 20 مليون مشاهدة في ظرف 12 ساعة كلها بالخليج العربي، و هو ما اعتبر إهانة لكرامة المرأة الجزائرية و محاولة من هذا المؤثر المشرقي للطعن في الأعراض الجزائرية و نشر محتوى مبني على التجارة بأجساد النساء الجزائريات.
هذه المواضيع هي التي تسيطر على الإعلامين الدولي بأوروبا و المحلي في مكة الثوار…، بينما الحشود التي أخرجتها القيادة الصحراوية لتلوح بالأعلام و تهتف ضد الرئيس الأمريكي “ترامب” و تنعت مجلس الأمن بالفساد و مخطط الحكم الذاتي بالمخطط الظالم…، فلا يكاد صوتها يتجاوز الحبال التي ربطت بين الأعمدة و التي وضعتها القيادة كمتاريس تحدد مناطق الاحتجاج و مساراتها، ليبقى السؤال الأكبر هو: لماذا نظمت قيادتنا الهرمة هذه المظاهرات التي كان أغلب المشاركين فيها نساء و أطفال بمخيمي السمارة و العيون (يوم 2025.10.27) و مخيمي بوجدور و أوسرد (يوم 2025.10.28) لتنفيذ وقفات احتجاجيه ضد مشروع القرار الأمريكي بمجلس الأمن، و عجزت في إقناع عقلاء القوم للمشاركة مثلما غاب حتى المقاتلين الصحراويين، و الأكثر أن الوقفة قاطعها –حسب ما افادنا به مراسلونا- أهالي ضحايا المسيرات الذين سقطوا في الحرب الظالمة ضد جيش الاحتلال المغربي…؟.
قبل الجواب على هذا السؤال، وجب منا الإشارة بأن المظاهرات الشعبية أخطأت الزمان و المكان لأن المواطنين بالأرض المحتلة هم الأجدر بالتعبير عن ذلك و الغالبية العظمى منهم – بسبب فساد رموز النضال الذين أنتجتهم سياسة “بولسان”ـ أصبحوا يبحثون فقط على تحسين أوضاعهم الاقتصادية و اقتناص الفرص المتاحة في ظل المشاريع الأجنبية التي يتم تنزيلها بالمنطقة، أما احتجاجات المخيمات فلم يكن لها داعي ؛ لأن المعارك من أجل تعديل المسودة الامريكية تدور في مجلس الأمن و هي السبيل الوحيد لاستصدار توصية مخففة خلال اليومين القادمين، أما استمرار توطين اللاجئين الصحراويين جنوب الجزائر لأكثر من 50 سنة فيعني أصلا رفض هؤلاء العيش تحت سلطة الاحتلال المغربي، و بالتالي ففكرة إخراج اللاجئين بذلك الشكل الفلكلوري و بتأثيث لوجيستيكي واضح من خلال كثرة الأعلام الصحراوية الجديدة و اللافتات المطبوعة ، أفقد المظاهرات سمات العفوية و الشعبية في تنظيمها، و كشف بأن هناك جهات رسمية سواء صحراوية أو جزائرية تقف وراءها، و بالتالي فذلك النشاط لا يعدو أن يكون حشوا و إطنابا سياسيا لا تأثير له على مجريات ما يُطبخ خلال الساعات القادمة بمجلس الأمن التي نتمنى أن لا تصيب قضيتنا في مقتل،…. و الواضح أن فكرة الاحتجاج لم تخطط لها قيادتنا الهرمة و جاءت بأوامر من السلطات الجزائرية التي أرسلت المئات من المواطنين الجزائريين لينخرطوا مع إخوانهم الصحراويين في هذه الاحتجاجات كما ظهر ذلك في الكثير من مقاطع الفيديو.
كما وجب التذكير أن مستشار الرئيس الأمريكي “مسعود بولس” المكلف بملف الصحراء الغربية و البحث عن سبل التقارب بين الجزائر و المغرب، عاد ليقول عبر الإعلام الدولي بأن موقف الرئيس الأمريكي غير متاح للنقاش دوليا و في مجلس الأمن، و أنه لا يمكن لواشنطن التراجع عنه، و أن لا خيار أمام الجزائر غير التوافق و أن تخفض جناحها و تقبل بخطة السلام و بتطبيع العلاقات مع الرباط، و كما جاء في مقالاتنا، فالرجل لا يضع أمام النظام الجزائري خيارات بل هو يهدده بشكل لطيف، و يبلغه أن روسيا لا يمكنها أن تنقذ الجزائر هذه المرة.
الخرجة الإعلامية للمستشار الأمريكي جعلت النظام الجزائري يستشعر الخطر، و يتأكد بأن الاحتفاظ باللاجئين الصحراويين سيكون بمثابة معانقة برميل بارود في جو ملتهب و حار، و أن وحدة الأراضي الجزائرية مرتبط بالأساس بالتخلص من اللاجئين، لكن المحتل المغربي يزيد من تعقيد الوضع الجزائري بإضافته لشروط صعبة؛ أولها رفضه استقبال أي لاجئ غير مدرج في قوائم الإحصاء الإسباني لسنة 1974 أو ان من أبناء الذين خضعوا لذلك للإحصاء، و ثانيها أن الرباط ترفض التنازل عن رموز سيادتها كالعملة و الأمن و الجيش و التسليح و تشترط تسليم االجيش الشعبي الصحراوي لسلاحه…، و هذه الشروط تضع شعارات القيادة الصحراوية أمام مفترق الطرق، لهذا حين أحس “الهنتاتة” أن الأمور تتجه نحو الحسم لصالح الرباط، عمدوا إلى إخراج الحشود الشعبية، ليخبروا الأمم المتحدة و الولايات المتحدة الأمريكية و مجلس الأمن، في صرخة أخيرة بوادي سحيق و مهجور، أن القيادة الصحراوية ليست من ترفض المقترح بل الشعب الصحراوي.
و سر عدم مشاركة النخب المثقفة و العقلاء و شيوخ القبائل و المقاتلين و حتى السياسيين المعروفين بمواقفهم القوية بمخيمات تندوف…، في مظاهرات مخيمي السمارة و العيون، هو اليأس و مراكمة الإحباط و الإحساس بالضياع من سنوات اللجوء، و اقتناعهم بأن الدول الخمس الدائمة بمجلس الأمن اتخذوا قرارهم برفض قيام دولة بشعب صغير في هذا الجزء من العالم، و أن أقصى ما يمكن التوصية به هو غعطاء مزيد من الوقت للقيادة الصحراوية من اجل قبول الحكم الذاتي و المفاوضة عليه و أن عدم حل الملف في المستقبل القريب سيعني البقاء في أرض اللجوء لعقود أخرى، و الرباط لن تقدم بعد هذا المقترح أي مقترح يعوضه…، لهذا فهم أبلغوا القيادة الصحراوية بأنها فشلت في تدبير الملف، و أن ما يتم الترويج له في غرف النقاش بخصوص احتمال توصل الجيش الشعبي بالدعم العسكري الجزائري – في حال فرض الحكم الذاتي- محض إشاعات للاستهلاك الداخلي…، و أن الحليف الجزائري قد تخلى عنا اللاجئين فعليا كما تخلى عنا الحظ، و أنهم لن يشاركوا في أي مسرحية غير حقيقية أو أي مقترح الهدف منه إطالة الأماني و البقاء في أرض اللجوء دون أفق أو تاريخ محدد، و أن الحليف هو الآخر أصبح مقتنع بأن نجاته تكمن في قبول الصحراويين بحل الحكم الذاتي، و أن رفض قيادتنا للمقترح معناه أن الشعب الصحراوي سيحصل على الحكم الذاتي في أرض اللجوء، و أن لا نقاش في مجلس الأمن لشيء اسمه حق الشعب الصحراوي في الاستقلال و أن لا وطن سيعوضنا عن اللجوء.
ما لا يعرفه الشعب الصحراوي، أنه حسب بعض التسريبات من داخل مجلس الأمن، فالحليف الجزائري أبلغ الأمين العام و الولايات المتحدة الأمريكية بأنه يقبل بالخطة الأمريكية، و أنه سيضغط على القيادة الصحراوية لتفهم أنه لا حلول في الأفق غير العودة إلى أراضيهم و أن بإمكانهم مواصلة النضال من هناك حول حقهم في تقرير المصير… و الجزائر طلبت فقط بمزيد من الوقت لتدبير الأمور مع القيادة الصحراوية و تخفيف معاني الكلمات المتعلقة بالحكم الذاتي.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك