واحة ”العرجة” تفتح جرح الحدود بين الجارتين، و أعين الرباط على الأرشيف الفرنسي في صراع المحاكم الدولية.. !!
بـقـلـم : حـسـام الـصـحـراء
قال أحد المحللين الجزائريين على قناة “النهار”، واصفا أزمة واحة “العرجة”، بأنها من مخلفات الاستعمار، فأجابه الثاني مستدركا: أن الفرنسيين حين كانوا يضربون نير الاحتلال على الجزائر، و بعد استقلال الأقطار الأخرى في شمال إفريقيا، طلبوا من الملك الراحل “محمد الخامس” أن يجلس معهم لتحديد تفاصيل الجوار، فرفض المقترح، و قال أنه سيجالس الجزائريين بعد الاستقلال…، يضيف المحلل الجزائري: “لقد كان موقفا كبيرا من الملك تجاه الثورة الجزائرية، لسببين؛ الأول أنه كان يؤمن بثورة الجزائريين و قدرتهم على انتزاع الاستقلال، و الثاني لأنه رفض مفاوضة من لا يملك…، يعود المحاور الأول ليقول: أن المغرب بلد توسعي و يسعى لابتلاع الجوار…، و قد فعل ذلك مؤخرا بضمه للكركرات، و ترسيمه للحدود البحرية من طرف واحد، و يسعى اليوم لفتح ملف العرجة التي تقع داخل الحدود الجزائرية، في ذات السياق تدخل الصحفي مدير الجلسة و قال: لكنك قلت أن المغرب رفض مفاوضة فرنسا لإسترجاع ما تراه الرباط أراضي اقتطعت من ترابها و ألحقت بالجزائر…، يرد عليه الضيف الأول: لكن مواثيق الإتحاد الإفريقي تدعوا للحفاظ على التقطيع السياسي الاستعماري…، فيعلق مواطن جزائري غاضب من تلمسان في صفحة البرنامج التي تنقله بشكل مباشر: أنتم تعبثون في هذا البرنامج، كيف تتهمون الاستعمار بأنه جريمة في حق شعوب القارة و تطالبون بالحفاظ على ما تركته كما لو أنها قرآن منزل…؟
في الجهة الأخرى تناقلت الصفحات صور التعابير التي دونها الفلاحون على جدران المنازل، و تكاد تكون عبارات تشق الجبال و يشيب لها الولدان، و لا أصعب على الإنسان أكثر من مفارقة قطعة التراب التي ينتمي إليها و تنتمي إليه، و نحن الشعب الصحراوي أعلم بهذا الإحساس، لهذا سأكتب المقال بعقلانية و تجرد، و لن أزايد على مشاعر الوطنية حتى لا أساوي بين قضية وطن و قضية واحة…، إذ دعا مغاربة في تدويناتهم حكومة بلادهم للتحرك و إنقاذ الفلاحين من الطرد، و لعن آخرون العداوة التي خلفها الاستعمار فيما اجتاحت الفايسبوك و تويتر و أنستغرام…، تدوينة كتب عليها “قبور ملوكنا في الرباط و فاس و مراكش…، و قبور حكامهم في اسطنبول و باريس”، في إشارة إلى أن الجزائر كانت دوما مقاطعة تابعة و لم تكن قبل الاحتلال الفرنسي دولة قائمة المؤسسات.
هذا الجدال الذي رافق قضية العرجة، فتح جرح الحدود لأربع دول بالمغرب العربي، ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب، و السبب أن الجزائر المترامية الأطراف يتهمها جيرانها بأنها استفادت من كرم الجنرال “دوكول” الذي اقتطع مساحات شاسعة من دول الجوار و ألحقها بالتراب الجزائري بدأ من اتفاقية باريس – روما بداية القرن العشرين وصولا إلى معاقبة باريس للرباط على دعم الثورة الجزائرية و تقطيع بشار و تندوف ثم إلحاقهما بالتراب الجزائري، و تهيئتهما لتجارب “اليرابيع” النووية الشهيرة… لكن هل ثمة حقيقة خلف أزمة “العرجة” وجب معرفتها و تؤكد الإدعاءات الإعلامية للدول الجوار الجزائري، أم أن الأمر مجرد أطماع توسعية..؟
قبل فتح أزمة “العرجة” و قراءة مساراتها، نذكر بما نشرته وكالة STEP NEWS الإعلامية، حين وضعت على قناتها باليوتوب وثائقي بتاريخ 14 ماي 2020 تحت عنوان “حاسي مسعود أراضي ليبية الهوى”، و جاء في الوثائقي أن تلك البلاد التي اقتطعتها فرنسا بالاتفاق مع إيطاليا لصالح الجزائر، هي اليوم أيقونة الحقول البترولية الجزائرية بإنتاج يومي يصل إلى 350 ألف برميل و إحتياطي يتجاوز 6.4 مليار برميل، و أن ثوار ليبيا بعد أن قضوا على حكم “القذافي”، هم يفكرون في فتح ملف أراضي حاسي مسعود مع الجزائريين، مما دفع ببعض القادة العسكريين في الجزائر لتهديد ثوار ليبيا.
لكن الفتنة العظمى ليست في الجدال على منصات التواصل الاجتماعي و لا في طموحات ثوار ليبيا الراغبين في بترول حاسي مسعود، بل في إعلان الرئيس الفرنسي “ماكرون” رفع السرية عن وثائق فترة الثورة الجزائرية، و هو الحدث الذي يترقبه الجزائريون بريبة و توجس كبيرين، و لم تبدي القنوات الرسمية للبلاد أي استعداد لمناقشة محتوى هذه الوثائق السرية، بل الأكثر من ذلك هناك أخبار عن مفاوضات يجريها قصر المرادية سرا مع الإيليزي لتنقية تلك الوثائق و فرزها حتى لا تصبح متاحة للعموم و للباحثين، لأن من كشف هذه الأخبار يؤكد أن تلك الوثائق قنابل موقوتة ستدمر أصنام بناها مجهولون في السلطة الجزائرية حول الثورة و تاريخ البلاد الجزائرية، و أن في السلطة الجزائرية وجوه لم تكن يوما جزءا من الثورة، بل عملت ضد الثورة لصالح فرنسا، و ترى في ذلك الأرشيف تهديدا لها.
كذالك تلك الوثائق ستحسم الجدال في قضية “عبد العزيز بوتفليقة” الذي قال وزير خارجية فرنسا LOUIS DE GUIRINGQUD في مذكراته “أنه كان عين فرنسا على كل الأسرار الجزائرية الجد حساسة”، و ستحرج وزير خارجية الجزائر و البوليساريو “صبري بوقادوم”، الذي كتب تدوينة أثارت جدل كبيرا داخل الجزائر و خارجها جاء فيها: “بعد محادثات جمعتني بوزير الخارجية الألماني…، تم خلالها التذكير بعمق العلاقات التاريخية بين البلدين و التي تعود جذورها لمعاهدة السلام الموقعة بين الجزائر و هامبورغ سنة 1751″، حيث علق نشطاء “نريد نص الاتفاقية كاملا، و إجابات واضحة إذا ما وقعها فعلا الجزائريون أم الأتراك و لم يذكر أنه تم توقيعها مع الدولة الألمانية و وقعت مع مقاطعة هامبورغ…؟”
و في أول تعليق على تلك الوثائق يقول خبير فرنسي، أن المستفيد الأول من خروجها إلى العلن هم دولة الاحتلال (المغرب) و دولة تونس، و أن المغرب ينقص ملفها الجزء الفرنسي للوثائق، كي تجهز دفوعات المطالبة بالأراضي المقتطعة من ترابها، فيما يستبعد ذلك من تونس “قيس سعيد”، مما يرجح أن تكون الرباط تفاوض باريس هي الأخرى للوصول إلى تلك الوثائق قبل الحليف الجزائري، من أجل فتح جبهة جديدة في الصراع داخل المحاكم الدولية حول المناطق الحدودية، لكن السؤال الأكبر لماذا فرنسا قررت الآن رفع السرية عن ذلك الأرشيف…؟
سيجيب العارفون بالسياسة التاريخية لباريس بأن الدولة الفرنسية ترفع السرية عن الأرشيف الوطني كلما مر عليه 275 سنة، لكن الثورة الجزائرية لم يمر عليها هذا الزمن، ليصبح التفسير الوحيد هو أن التقارب الألماني الجزائري و التركي الجزائري يغضب كثيرا سكان قصر الإيليزي، يضاف إليه التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري في الجلسات الصحفية، و التي يتحدث فيها عن فرنسا كدولة نازية دون لباقة، و أيضا بسبب الأطماع الألمانية في الحقول و المعادن الليبية و التي تهدد الاستثمارات الفرنسية في الغرب الليبي، كل هذا يجعل باريس لا تنظر إلى نظام “تبون” بعين الرضى، و تقرر فتح جبهة شعبية أكبر ضده و ضد قادة الجيش العائدين للسلطة مثل الجنرال “خالد نزار” الذي تذكره الوثائق حسب المصادر كجزائري ذبح الجزائريين حين كان ضابطا فرنسيا، و ستفتح جبهة أخرى على مستوى الدول المجاورة، و لن تصمت الرباط إذا توفرت لها الوثائق الكافية للمطالبة باسترجاع الأراضي التي يقال أن فرنسا اقتطعتها لصالح الجزائر.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك