بـقـلـم : أغيلاس
يتداول النشطاء الصحراويون بالأراضي المحتلة و مخيمات اللجوء مستملحات حول فرار قائد الدرك الصحراوي الذي تخلى رفقة وحدته القتالية عن العتاد و السلاح الذي سيطر عليه المتظاهرون، حيث كتب العديد من المدونين ما يشير إلى الوضع المزري للجيش الصحراوي الذي لم يصمد أمام بضعة أفراد من أسرة “الحسين ابريكة” الذي تعرض لاعتداء وحشي من طرف وحدة تابعة للجيش الصحراوي، حيث أصيب بعدة جروح على مستوى الرأس و الوجه و تم نقله إلى المستشفى حيث تقول المصادر أنه تم رميه أمام المستشفى و تركه لمواجهة الآلام المبرحة التي كان يعاني في مختلف أنحاء جسمه.
فقبل أيام نشرت وزيرة خارجية مدريد، “ماريا غونثاليث لايا”، تغريدة على تويتر تهنئ فيها الدول الإفريقية بعيد القارة السمراء، و استثنت من الخارطة التي اختارتها للتغريدة علم الجمهورية الصحراوية، و احتج ممثلنا في الديار الإسبانية و عوض أن يقوم بالتعبير عن سخط القيادة و يظهر بعض الغضب لصالح مشاعر الشعب الصحراوي، فضل أن يتحدث كناطق رسمي باسم الدول الإفريقية…، و قال أن تصرف الخارجية الإسبانية يغضب دول إفريقيا مثلما يغضب الدولة الصحراوية، و أن الوزيرة الإسبانية عليها أن تسحب التغريدة و الخريطة معا.
لم تعر “ماريا غونثاليث لايا” اهتماما لاحتجاج “عبدالله العربي” ، و لم تحفل لوعيده الدبلوماسي، و نحن نجتهد في اقتراح أوجه الاعتذار الذي يمكن أن يحفظ لدولة إسبانيا ماء وجهها و يعيد لنا اعتبار جمهوريتنا التي بترتها الوزيرة من خارطة القارة الموجوعة، فاجأتنا المحكمة العليا في إسبانيا و هي تقرر بمنع استخدام الشعارات و الأعلام الممثلة للدولة الصحراوية بالأماكن العامة و الرسمية فوق التراب الإسباني، و ترفض أن يستخدم هذا العلم إلى جانب الأعلام الرسمية للدول التي تعترف بها و التي تمتلك تمثيليات كاملة فوق ترابها، مما يزيد من حزننا و يفتح الباب أمام روايات تؤكد وجود تحول مرحلي عميق داخل القرار الرسمي الإسباني و قد يشمل التحول حتى القوى الإقليمية و في إطار الإستراتيجية الجديدة لدول الإتحاد الأوروبي لمرحلة ما بعد وباء “كورونا”.
المحكمة العليا في إسبانيا هي الهيئة القانونية الأعلى داخل المملكة الأيبيرية، و قراراتها إستراتيجية و تدخل ضمن خيارات إسبانيا و ضمن علاقاتها الجيو- سياسية، أي أن قرار المحكمة العليا يمثل توجها سياسيا إستراتيجيا للبلاد ككل، و حين تصدر قرارا بأن رفع الأعلام و الشعارات الخاصة بالدولة الصحراوية يتنافي مع مبادئ الحياد التي تتبعها الدولة الإسبانية، و يناقض روح القانون الإسباني، هنا يمكننا الحديث عن انحراف سياسي في العلاقة بين هذه الدولة و ملف النزاع، و أن الأمور بدأت تنفلت فعلا من أيدي قياديينا…، لأن الأسبان هم الأقرب للقضية الصحراوية و هم من يتابعون تطوراتها، و هم أًصل الصراع ويتحملون مسؤولية تاريخية و أرائهم مؤثرة جدا في نظرة الأمم المتحدة للصراع.
القضية لا تتوقف عند القرار، لأن المخاطر تزداد شدة و عمقا بالحديث عن مواقف إسبانيا و تأثيراتها داخل الإتحاد الأوروبي و مجلس الأمن، لأن القضاة الـ79 المشكلون لهيئة المحكمة العليا الإسبانية هم نفسهم أعضاء في المحكمة الأوروبية، و محكمة العدل الدولية بـ “لاهاي”، و موقفهم سيؤثر دون شك على تلك المؤسسات، لهذا فالقيادة التي لا تزال تحت تأثير الصدمة و لا تعرف كيف تجيب على هذه الحركة الإسبانية المحابية للرباط و المعادية للبيت الأصفر بالرابوني، و لا يحق لها أن تدين القرار أو أن تقدم مذكرة احتجاج لأنه قرار سيادي محض.
و من جهتنا يحق لنا كصحافة رأي عام أن نضع تفسيرا لهذا التطور السلبي في الأحداث ضد قضيتنا الوطنية، و شرح مستوى تورط نظام الاحتلال المغربي في دفع الدولة الإسبانية بكل ديمقراطيتها و عراقة تقاليدها القضائية، للتأثير على أعلى هيئة قضائية، إذ نحتاج إلى أن نعيد شريط الأحداث إلى أسابيع قليلة، أي إلى الصدمة البترولية، و اكتشاف الأسبان السوق الأمريكية للمحروقات، و تعاقدهم مع الشركات الأمريكية لاستيراد الغاز و البترول، و التخلي عن المحروقات الجزائرية و بالتالي سقوط واحدة من أهم أوراق الضغط التي كانت بين يدي الدولة الصحراوية و التي كانت تخلق التوازن في موقف مدريد، بين الرباط و الجزائر.
تزامن هذا التحول العالمي الذي فرضته الحرب العالمية البترولية و الذي لم يخدم القضية الصحراوية، مع استعار الوباء و دخول إسبانيا مرحلة ذروة الجائحة، نتج عنه توقف الإنتاج الإسباني من المواد الفلاحية، بعد أن اشتد حر الموت في صفوف المصابين، و جرى إغلاق الحقول و فرت اليد العاملة، و عُزلت إسبانيا عن العالم، و لم تجد معيلا لها، في هذه الظرفية كانت المغرب يضاعف صادراته من المواد الفلاحية و المنتجات البحرية إلى دولة إسبانيا…، و أغرقت الأسواق في مدريد و ألميريا و برشلونة و الأندلس… بالخضروات و الفواكه، و لم تصب الدولة الإسبانية بالصدمة الفلاحية رغم توقف إنتاجها، و بقي المحتل يُمَوّن أسواقها إلى أن تجاوزت ذروة الوباء و عادت لفتح الحقول و المصانع و المخازن.
غير أن العارفين بالشأن الإسباني المغربي، زادوا على هذه المعطيات في تعاليقهم على قرار المحكمة العليا الإسبانية، بذكر أن قرار المحكمة نوع من الشكر و الامتنان من إسبانيا إلى المغرب، بعد أن أهدت الرباط حسب مصادر رفيعة إلى إسبانيا معلومات مكنت مدريد من تفكيك خلية إرهابية تنشط في منطقة بولانيوس دي كالاترافا، في سيوداد ريا، وسط اسبانيا، و جنب إسبانيا حمام دم، و أن الأسبان لم يجدوا من طريقة لشكر المغرب غير تقديم هدية من المحكمة العليا على حساب الشعب الصحراوي المسكين.
الدبلوماسية الأمنية التي اخترق بها المغرب بيت الحكم الإسباني، أصبحت كاللعنة التي تطارد قضيتنا، و تحولت إلى كلمة السر التي يفتح بها المحتل مواقف الدول لتأليب رأيها ضد قضيتنا و ضد مصالح الشعب الصحراوي و الدولة الصحراوية، و الأمر ليس وقفا على الإسبان وحدهم فحتى إفريقيا أصبحت تؤمن بالمحتل أمنيا، فبعد أن فشلت العملية العسكرية المشتركة بين بوركينافاسو و الكوت ديفوار ضد تنظيم إرهابي إثر تسريب معلومات العملية قبل تنفيذها، طلبت سلطات بوركينافاسو الاحتكام إلى تحقيق يشرف عليه مدير المخابرات المغربي، “عبداللطيف حموشي“، للكشف عن الجهة المسربة لأسرار العملية، و في هذا المسعى و هذا الخبر من الدلالات ما لا يخفى على أحد، إذ لم يطلبوا الاحتكام إلى DRS بالجزائر و لا إلى سكوتلانديار و لا إلى الأنتربول و لا إلى الأوروبول… بل لمدير مخابرات العدو المغربي.
هنا ينتهي دور التحليل و وضع القراءات، و تبدأ عملية التوقعات الخاصة بقضيتنا و المستقبل المظلم الذي سنمر من نفقه باتجاه المجهول، حيث لا تزال القيادة الصحراوية لم تستوعب بعد خطورة الموقف و فداحة قرار المحكمة العليا، و كيف قدمت إسبانيا هدية العيد للمحتل، و قررت قطع أهم شرايين القضية الصحراوية و تركتنا ننزف من الأمل إلى حدود اليأس.
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك