بـقـلـم : بن بطوش
و أنا أتصفح حساب الأديب المصري الراحل “أحمد توفيق” و الذي يديره أحد معجبيه، وقعت عيني على اقتباس يقول فيه الراحل: “أنا بخير، لا ينقصني غير المال و الصحة و السعادة”، فأحسست و كأنها مقولة مقاتل صحراوي خرج يواجه المجهول دون أن يكون له هدف يقاتل لأجله، و هو يعرف أنه ذاهب إلى أرض الموت لينازل الشيطان “يعني”، فقط كي يرضي قيادة تمنحه سلاحا سوفياتيا متهالكا و بعض العتاد الأعمى، في زمن القذائف الذكية و المسيرات الجوالة و الإنتحاريات و الصواريخ المجنحة و المقاتلات الشبحية و القبة الحديدية و الرصد بالأقمار و الكشف بالكاميرات الحرارية و الرادارات الثلاثية…، و يطلب منه أن يرسل مشاهد حربه على المحتل المغربي و أن يرسل مع كل طلقة إهداءا لعاهرة، احتسبت ظلما مناضلة، و تكافئ بغير عدل بشقة فاخرة و أرصدة مكتنزة…، هذا المقاتل حاله اليوم يقول أنه بخير و لا ينقصه غير الوطن و السلام…، و هو الذي يقدم عمره لإرضاء اللاشيء…، و لتحصيل اللاشيء…، لهذا نقول له من هذا المنبر الحر: “كل عام و أنت بخير رغم الإملاق و العلة و الحزن الشديد…، كل عام و أنت بخير رغم اللجوء و القبلية المقيتة و الحرب غير العادلة”.
تقول جريدة “إلباييس” الإسبانية في إحدى مقالاتها، أن الدولة الإسبانية عجزت عن كبح طموحات الرباط و فشلت في منعها من تحقيق المشاريع المزعجة لمدريد، بدءا من التنقيب عن المحروقات و إنهاء أزمة المعابر الحدودية البرية مع الثغرين سبتة و مليلية، و كذا إلغاء خطة ترسيم الحدود البحرية التي خنقت منطقة الكناري و ابتلعت بموجبها الرباط الكنز الكبير،”جبل تروبيك”، الذي أصبح جزءا من المجال البحري للصحراء الغربية، وصولا إلى الأخطر و الذي تقول عنه الجريدة “أن الرباط تسببت لإسبانيا في أزمة علاقات دولية هي الأصعب على الإطلاق، و جرّت عليها غضب واشنطن، و مضايقات اللوبيات اليهودية العاملة في أعتى المنظمات العالمية، و بالخصوص تلك المؤثرة داخل البنك الدولي و الأمم المتحدة، و المتحكمة في شركات التصنيع الحربي داخل أمريكا، و امتدت الأزمة بين الجارتين لتؤثر على تماسك الإتحاد الأوروبي و تحدث شرخا داخل “حلف الناتو” الذي رفض الدفاع عن إسبانيا في قضية المدينتين سبتة و مليلية، و اعتبارهما أراضي غير أوروبية و يقعان خارج الإتحاد العجوز، و لا تدخلان ضمن نطاق دفاع الإتحاد”.
فما يجري بين الرباط و مدريد من تصعيد صامت تعريه – بين الفينة و الأخرى- الصحافة، و ما تسببت فيه الأزمة، مع حالة شك داخل القارتين الإفريقية و الأوروبية خصوصا و أنها كرست منطق تعالي الدول المستعمرة على دول الجنوب، جعل الألمان يعاودون ترتيب أولوياتهم، إذ يقول العارفون بالشأن الألماني، أن الدولة العميقة في ألمانيا التي تقودها الأجهزة السرية و توجه بوصلتها مراكز الدراسات الإستراتيجية، نصحت النظام الألماني في عهد المستشارة “ميركل” بأن تغير أسلوب تعاطيها مع القضايا الكبرى للرباط حتى لا تحصل قطيعة يصعب إصلاحها، و أضافوا أن سوء التقدير و سوء تحديد مجال التحرك في قضية لا تخص الشعب الألماني (قضية الصحراء الغربية)، تسبب في أزمة هيكلية حصلت في توقيت قاتل بين دولة محورية في إفريقيا و الدولة الألمانية التي تجد صعوبة في الخروج من عصر الصناعة الميكانيكية – الكربونية، إلى صناعة ميكانيكية كهربائية التي تتركز أسرارها الطاقية و المعدنية في الجبال البركانية الصينية و الجبال البركانية البحرية الأطلسية للصحراء الغربية.
و تعود الصحف الإسبانية لتتأمل بالتحليل هذا التقارب الألماني المغربي، و في مقدمتها موقع “أوكي دياريو” الذي يعد لسان حكومة “سانشيز”، حيث تؤكد الصحيفة “بأن مدريد هي رابع أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، لكن قدرتها على الإقناع خارج حدودها ضعيفة جدا و ازدادت ضعفا بعد الأزمة مع الرباط و التي بدأت حتى قبل قضية “بن بطوش”…، و في ما يتعلق بقضية الصحراء الغربية، تضيف الصحيفة أن جميع الدول الكبرى كألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا… قدمت الدعم للمغرب، و أحرجوا إسبانيا التي تُركت في منطقة فارغة”، و هو ما تسبب في أزمة داخلية قسمت الرأي السياسي الإسباني إلى ثلاثة فرق؛ الأول يضم السياسيين الأكاديميين الذين يطالبون من الحكومة الإسراع بإصلاح عيوب العلاقة و عدم الإنصات للراديكاليين المنتمين للتيار الموروث عن “فرانكو”.
فيما الفريق الثاني هم سياسيو الأحزاب المعارضة للحكومة، و هم يطالبون بعدم الخضوع لضغوط الرباط و رفض مطالبها و الاستعداد لكل الاحتمالات، بما فيها المواجهة المسلحة مع طلب الدعم الأوروبي، و تفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك…، بينما الفريق الثالث، و يتكون من الحكماء و كبار السياسيين الإسبان داخل الإتحاد الأوروبي، الذين يطالبون بالتأني و عدم التسرع و الانتباه إلى أخطاء الحكومة الإسبانية التي يتهمونها بالخضوع للأحزاب الشيوعية التي تتقاطع مع جبهة البوليساريو في التوجهات الإيديولوجية، و تضغط على مدريد للخضوع الكامل للجزائر، و هذا التيار ينبه أيضا إلى التحول الذي يعيشه المغرب و التحالفات القوية التي حصل عليها، و المدعومة من مجلس التعاون الخليجي و اللوبيات اليهودية، و يصر على الاستعانة بمراكز الدراسات و الخبراء لوضع خطة تتناسب مع المرحلة، عوض الاعتماد على حلول الحرب الباردة و ارتجالية الوزير “ألباريس”، و الاستعانة بعلاقات القصر في مدريد و خبرته في مثل هذه القضايا، و أشار هذا التيار إلى الانتباه للأسباب التي جعلت دولة من حجم ألمانيا تعمد إلى التودد للمغرب و دعم “مقترح الحكم الذاتي” كحل لقضية الصحراء الغربية.
كل هذا الجذب جعلنا نبحث بدورنا عن الأسباب التي جعلت الرباط تتأخر في الاستجابة للبيان الألماني، و اعتباره خطوة متأنية نحو الأمام، و مطالبة الرباط بأفعال تطبيقية تظهر حسن النوايا برلين و عدم الاكتفاء بالإعلانات و البيانات على الصفحات الرسمية، و المبادرة بإعادة سفيرة المغرب إلى برلين، مما يزيد من حرج مدريد التي يبدو أنها أصبحت معزولة عن الإجماع الأوروبي، خصوصا و أن باريس رفضت لعب أي وساطة في الأزمة مع الرباط…، كما حكم عديد العارفين بسياسة الحكومة الألمانية على خطوة برلين الأخيرة، بأنها تدخل في نطاق رأب الصدع و إتباع الوصفة البريطانية؛ لأن الألمان بدورهم يراهنون على المشروع الفرعوني “الأنبوب النيجيري” الذي سيحمل الغاز إلى أوروبا، و سيحررها من الابتزاز الجزائري و الروسي، و يراهنون كذلك على الثروات الباطنية التي تعد من أسرار صناعات المستقبل.
هذه المتغيرات الدولية تؤكد بأن رمال السياسة دائمة التحرك، و تجرها رياح المصالح دون احترام لمشاعر القوميات و دون أن تعير أي انتباه لمصالح الحركات التحررية…، و هذا الوضع سيزيد من تفكيك الوعي القومي لدى سياسيينا داخل المخيمات الذين بدؤوا في الانقسام على أنفسهم، و بدؤوا في التأكد بأن الرهان كان على حصان مكسور القوائم، و أن ما نقدم من شهداء بشكل يومي، لا يعدو أن يكون قرابين لإرضاء الحليف الجزائري و إثبات أننا لا نزال على عهد الثورة التي أكلت أجيالنا و لا تزال.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك