واشنطن تقصي الجزائر من لائحة التفاوض على خطة السلام بغزة… و قصر المرادية مرعوب من عدوى احتجاجات “جيلz “
بـقـلـم : بن بطوش
لعمري ما ظننت أن الكيمياء الاجتماعية في المغرب بهذا الكم من التعقيد؛ ذلك أن جميعنا في المخيمات و بالأراضي المحتلة و حتى في الجزائر اندفعنا بكل عواطفنا و أصبحنا نتابع ما يجري في بعض المدن المغربية…، و ننتقل بين القنوات الالكترونية بحثا عن مشهد أقرب لما يجري، و كلنا نمتلك حسابات تعج بمشاهد الاحتجاجات لجيل رقمي أراد أن يستريح من عناء الخوارزميات فنزل إلى الشارع ليحتج و يهتف مطالبا بالصحة و التعليم و بإسقاط الفساد، و رغم بعد المسافة بيننا و بين ما يقع أحسسنا بأننا خلال الأيام الأولى و كأننا نزلنا معه…، لننادي بإصلاح التعليم و الصحة للنظام الذي يغتصب أرضنا، يقينا منا بأن أي إصلاح سيُقدم عليه المحتل سنستفيد منه، نحن الصحراويون القاطنون بالمدن المحتلة، و أنه لا يمكننا إصلاح أي شيء في المخيمات بأرض اللجوء، حتى و إن خرجنا بالرشاشات لنقهر “الهنتاتة”، و الأصل أنه لا توجد بنية لدينا في اللجوء كي نصلحها و لا توجد مؤسسات لنرتقي بها و لا نمتلك حتى الأجيال التي تستطيع التفكير بهذه الترف الاحتجاجي.
حتى النظام الجزائري، الذي أنفق – حسب معارضين جزائريين- ملايين الدولارات لشراء حسابات اجتماعية من مهاجرين مغاربة على جميع المنصات، و دفع لأصحابها مبالغ باهظة كي يقنعهم بالاستمرار في إدارة تلك الحسابات و المطالبة بإلغاء تنظيم كأس إفريقيا و كأس العالم بالمغرب…، و قبل أن تقوم قناة “الجزيرة” بتقسيم شاشة البث، و تخصص استوديو نقاش لما يجري في المغرب، استيقظ الجميع في اليوم الخامس من الاحتجاجات على مشاهد جيل Z و هم يوزعون باقات الورد على عناصر القوات العمومية و السلطات…، و يمشون جنبا إلى جنب في الشوارع في مشهد يكرس مقولة : “إذا كنت في المغرب فلا تستغرب”… !!، فأي خيبة لرئيس “حركة البناء الوطني الجزائري”‘ “عبد القادر بن قرينة”، الذي حرض على استهداف القصور الملكية و هو يرى المحتجين المغاربة يجوبون الشوارع بصور الملك، بل و في خضم أحداث النهب و التخريب ابدوا الاحترام لصورة الملك… !!؟، و أي خيبة لقصر المرادية و صقوره الذين حاولوا الاصطياد في المياه العكرة و تقدموا بطلب لاستضافة كاس إفريقيا القادمة، و هم يسمعون رئيس الإتحاد الإفريقي “موتيسيبي” و هو يتغزل في المغرب و يصفه بأنه خطته الأولى و الثانية و الثالثة لتنظيم كأس إفريقيا في موعده، كي تكون نسخة لم يسبق أن شوهد مثلها و قد لن تتكرر… !!.
مأساة الحليف الجزائري لا تتوقف هنا، بل تمتد لتصل إلى القضية الفلسطينية، بعد أن قررت أمريكا إقصاء قصر المرادية من المفاوضات عن مستقبل غزة، و منتهى القهر أن يقبل جميع العرب بالقرار و أن لا يحتج أحد على الفيتو الأمريكي… !!، و الطعنة القاتلة أن حركة “حماس” قبلت بالشرط و اعتبرته لا حدث…، مما جعل السياسيين الجزائريين يُعبرون عن غضبهم من الإقصاء باتهام مصر و العربية السعودية و الإمارات العربية…، بأنهم من يقف وراء منعها من حضورالمفاوضات، لكن النشطاء الجزائريين و العارفين بالشأن الأمريكي…، يؤكدون بأن السبب وراء إقصاء الجزائر هو توفر معلومات استخباراتية لدى الأمريكيين تؤكد بأن إيران تستعمل الجزائر لاختراق الموقف العربي و إجهاض أي مشروع سلام في غزة، كما أن الصحف الفرنسية تحدثت عن غضب الرئيس الأمريكي من النظام الجزائري بسبب تصريحات السفير الجزائري في لبنان “كمال بوشامة” و ما تلفظ به من ضد الرئيس الأمريكي، الذي اعتبر تلك الإهانة كلام رسمي صادر عن النظام الجزائري مادام قصر المرادية لم ينشر بيانا يعتذر فيه رسميا.
كانت مفاوضات السلام لأجل غزة المنفذ الوحيد المتبقي لقصر المرادية لتسجيل حضور دبلوماسي تحت شعار “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، و البطاقة الأخيرة كي يحقق النظام الجزائري إنزالا سياسيا يصلح للدعاية الداخلية، لأن الشارع الجزائري بدأ فعلا في التحرك على وسائل التواصل، رغم أن الرئيس “عبد المجيد تبون” خلال لقائه مع المتعاملين الاقتصاديين لتعزيز نتائج الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية…، قال في كلمته: “أن الجزائر لها جيش قوي” و هو ما اعتبر إعلاميا تهديدا مباشر لجيل Z 213، الذي كشف عن مطالبه بإصلاح النقل و التعليم و الصحة و محاربة العصابة و تقليص سلط الجيش، و ختم الرئيس الجزائري كلمته بأن الجزائر لها أعداء كثر، و هذا أمر متفق بشأنه، و السبب فيه هي السياسة الصدامية مع الجيران للرئيس “تبون” و من خلفه قائد الجيش “سعيد شنقريحة”.
الاستبعاد الأمريكي للنظام الجزائري، يؤكد أيضا أن الدبلوماسية الجزائرية أصبحت عاجزة عن إصلاح صورة الجزائر خارجيا؛ ففرنسا التي قبل رئيسها “ماكرون” استقالة الحكومة أصر على الاحتفاظ بوزير الخارجية “برونو روتايو” نكاية في النظام الجزائري، و الإتحاد الأوروبي قرر الدفع بالمفوضية الأوروبية لتوقيع اتفاق فلاحي جديد مع الرباط يشمل الصحراء الغربية نكاية في الجزائر و تمجيدا للنجاح الدبلوماسي للمغرب، و أمريكا قررت دعم الشركات و الاستثمارات في الصحراء الغربية كرد فعل على الملتمس الجزائري، الذي تم توجيهه لمجلس الأمن للتقليل من شأن الضغط الأمريكي الرامي إلى إنهاء الملف و تغيير طبيعة بعثة المينورسو، و حتى الأمين العام “أنطونيو غوتيريش” رد برفع تقريره أمام مجلس الأمن و قال فيه أن البعثة الأممية لم تعد قادرة على أداء مهامها بسبب ضعف التمويلات، مما يعزز التوجه الأمريكي – المغربي لتحريف مهمتها، و جعلها بعثة سياسية لتنزيل مقترح “الحكم الذاتي” أكثر منها عسكرية لمراقبة وقف إطلاق النار.
و كان القياس أن تتحرك الدبلوماسية الصحراوية لتعوض عجز الدبلوماسية الجزائرية و تنقذ ما تستطيعه و تمنع وقوع الكارثة، لكن “الهنتاتة” الذين بلغوا سن اليأس الدبلوماسي، أثبتوا أنهم خارج السياق التاريخي و الجغرافي و الدبلوماسي و السياسي للمرحلة، و أنهم أضعف بكثير مما نعتقد، لدرجة أن “أبي بشرايا البشير”، المستشارا المكلف بشؤون الثروات الطبيعية والقضايا القانونية، خرج علينا عبر حساباته و في النشرات الإعلامية على القنوات الرسمية الجزائرية يخبرنا بأن خطة القيادة الصحراوية المقبلة هي إصدار قرار قضائي أوروبي يمنع تطبيق الاتفاق الفلاحي الجديد،… لكن الرجل لضعفه القانوني لا يعلم أن الإتحاد الأوروبي عمد مباشرة بعد عقد الاتفاق مع الرباط، إلى تضمينه في الجريدة الرسمية للإتحاد، و جعله قرارا سياديا للمفوضية وملزما لجميع الدول الأوروبية و غير قابلا للنقض، و بالتالي فأي حكم قضائي صادر عن المحكمة الأوروبية سيكون محض ردة فعل عاطفية من القضاة الأوربيين و بدون أي أثر على الاتفاق.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك