بقلم : القطامي
بات من المؤكد أن جل القادة العرب سيتغيبون عن حضور القمة العربية المزمع انعقادها بالجزائر يومي 1 و 2 نونبر 2022، و سيحضرها فقط ساسة الدول العربية من الصف الثاني و الثالث، أغلبهم وزراء خارجية بلدانهم، و بالتالي فقد أصبحت القمة العربية مجرد اجتماع عربي رفيع المستوى أو مؤتمر لوزراء الخارجية، و بات في حكم الأكيد أنها ستكون قمة بلا تأثير و أنها مخرجاتها لن تحقق ما كان يسعى له النظام الجزائري لتلميع صورته و إضفاء الشرعية على حكمه للبلاد بعد الحراك الشعبي و استعادة الريادة السياسية الدبلوماسية في محيطه الإقليمي و العربي، و هي الطموحات التي تفسر إصرار الجزائر على تنظيم القمة و تقديمها للعديد من التنازلات.
عدم حضور العديد من زعماء الدول العربية لأشغال “القمة”، خصوصا قادة دول الخليج الذين لهم وزنهم الإقليمي و الدولي كفاعلين سياسيين و اقتصاديين، وتكليفهم نوابهم أو وزراء الخارجية بالمشاركة، يعبر عن وجود مقاطعة مقصودة للنظام الجزائري الذي تعمقت عزلته أكثر فأكثر خلال السنوات الأخيرة، بسبب العديد من الملفات و القضايا التي تورط فيها قصر المرادية دون مراعاة للمصالح العربية المشتركة، أهمها أربع قضايا: أولها التقارب مع إيران العدو الأول لدول الخليج، و ثانيتها الاصطفاف مع إثيوبيا على حساب في مصر في قضية سد النهضة، و ثالثتها دعم نظام “بشار الأسد” الدموي بسوريا، و رابعتها القطيعة الدبلوماسية مع المغرب و رفع منسوب تجاهه العداء بسبب قضيتنا الصحراوية.
كل هذه القضايا التي انخرطت فيها الجزائر خلال السنوات الأخيرة ضدا على التوجه العام بالجامعة العربية، جعلت منها دولة غير مؤهلة لتنظيم قمة عربية؛ فدول الخليج أصبحت متأكدة و لديها أدلة بأن الجزائر وضعت يدها في يد إيران، بل و أطلقت لها العنان للتحرك في المنطقة المغاربية خارج نفوذها الإقليمي، من خلال إشراف خبراء من “حزب الله” اللبناني على تدريب و تكوين مقاتلي الجيش الشعبي الصحراوي بمخيمات تندوف، على تقنيات حرب الاستنزاف ضد جيش الاحتلال المغربي، بالإضافة إلى قيام الجزائر سنة 2016 بإرسال ثلاث مبعوثين كبار إلى كل من روسيا وإيران وسوريا، و هذه الخطوة كانت كافية لتفهم أنظمة دول الخليج بأن الجزائر تقف مع أعدائهم.
مما لا شك فيه أن النظام الجزائري راهن بشكل كبير على نجاح القمة المقبل لجامعة الدول العربية، سواء من خلال الترتيبات و المشاورات التي أجراها لضمان حضور رؤساء وملوك وأمراء الدول الأعضاء، أو من خلال تقديم العديد من التنازلات كالالتزام بعدم الحديث عن عودة سوريا أو التطرق لقضية الصحراء الغربية بأي شكل من الأشكال، لكن يبدو أن كل تلك المشاورات و المساعي و التنازلات لم تشفع للجزائر بان تنظم قمة ناجحة و بالتالي ما كانت تطمح إليه الدولة الجزائرية يعد صعب المنال في الظروف الراهنة.
أستحضر هذه المعطيات ليس لتبخيس مجهودات النظام الجزائري في لم الشمل العربي و دعم قضيتنا الوطنية على جميع الأصعدة، بل للقول أن النظام الجزائري يعيش عزلة دولية و أن الهيمنة الجيوستراتيجية في شمال افريقيا تميل لصالح العدو المغربي ، و أن منطق الرغبة في استعادة دور الزعامة الإقليمية هو بيت القصيد في كل هذا العداء الذي يبديه مؤخرا قصر المرادية تجاه الرباط ، أما قضيتنا المشروعة فمجرد وسيلة لبلوغ هذه الغاية.
أمام هذه المستجدات والظروف السياسية الإقليمية والدولية التي ستنعقد فيها “القمة”، يمكنني الجزم من الآن بأن الرهانات التي وضعها النظام الجزائري على هذه القمة تظل رهانات فاشلة وكان من الأجدر به أن ينأى بنفسه عن هذه الاستضافة، كما فعل المحتل المغربي سابقا، لأن كل مؤشرات الفشل متوفرة ولم تتواتر الظروف بعد لإنجاز قمة واعدة تستشرف ٱفاقا جديدة لهذا التجمع الإقليمي الأفرو – آسيوي بمضامين ومسميات جديدة.
لكن التعنت و الإصرار على استضافة “القمة” يحيل على أن النخبة السياسية الحاكمة في الجزائر تعاني قصورا حادا في استقراء المتغيرات الدولية و بالتالي فالكثير من خطواتها تكون غير مدروسة بالشكل الذي يضمن نجاحها؛ ذلك أنه على الرغم من مواقفها المشرفة و تعبيرها الدائم و المتواصل عن دعم قضيتنا الصحراوية و لمشروع دولتنا التي لم ترى النور، إلا أن هذا الدعم لا يتم بالشكل و الاتجاه الصحيحين، بسبب أن حكام الجزائر يفتقرون للرؤية الإستراتيجية المستوحاة من فهم دقيق وموضوعي لميكانيزمات الصراع الإقليمي والدولي، لتعديل علاقاتهم الدولية، ابتداء من محيط بلادهم (مالي و المغرب و ليبيا)، وانتهاء ببناءهم خطة تأخذ بعين الاعتبار التحولات الجذرية المرتقبة في النظام الدولي و التي يمكن أن تضع الجزائر و معها قيادتنا الوطنية – في حال استمرارهم على النهج الحالي – في خانة الدول المارقة التي يجب إخضاعها لعقوبات دولية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك