بـقـلـم : بن بطوش
كما هي العادة نشرت حسابات “منتدى الدفاع العربي” نقلا عن موقع وزارة الدفاع الأمريكية خبر بدأ الاستعدادات لتمرين “الأسد الإفريقي”، و الذي سبق للإعلام الجزائري أن روج لإشاعة مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت نقل هذا التمرين العسكري من المغرب و توطينه في دول جديدة، في حين أن الإعلان الذي نقل عن وزارة الدفاع الأمريكية يفيد بأن تلك المناورات الضخمة ستجري بشكل رسمي و رئيسي في دولة المغرب، فيما ستحتضن بعض الدول الأخرى تمارين فرعية، و يتعلق الأمر بكل من جيبوتي و غانا و تونس و إسرائيل و السنغال، و أن وزارة الدفاع ستجعل من هذا التمرين الأضخم في العالم بعدما قررت تعزيز ميزانيتة و رفع عدد القوات المشاركة به إلى 10 آلاف جندي، و إضافة تخصصات عسكرية جديدة بينها الحرب الإلكترونية و استعمال المسيرات و توظيف التكنولوجيا الفائقة لرفع مستوى دقة الاستهداف.
الأمر لا يتوقف هنا؛ فنفس الموقع تحدث في إحدى منشوراته التي أثارت النقاش، أن الرباط قررت بدورها رفع ميزانية الجيش إلى 17 مليار دولار، و أنها ستخصص حوالي 10 مليار دولار خلال هذه السنة لتوطين الصناعات الدفاعية، بشراكة مع شركات من بريطانيا و بلجيكا و أمريكا و الإمارات العربية و العربية السعودية و باكستان..
قد يعتقد البعض للوهلة الأولى أن الرباط ترد على الجزائر بخصوص رفع ميزانية الجيش، لكن خبراء التسليح و العارفين بالشأن المغاربي، يقولون بأن تعزيز الرباط لميزانية الدفاع لا علاقة له بهذا المستجد و أن هذا القرار كان مبرمجا له منذ سنوات طويلة منذ أن كشفت الرباط عن توجهها نحو التصنيع العسكري و تخفيض تكلفة الصفقات الخارجية، و أن التأخير في رفع الميزانية كان بسبب ظروف الجائحة، فيما الجزائر قررت رفع ميزانية المشتريات و ليس ميزانية التصنيع، و أنها أعلنت ذلك لتبرير ضخها ملايير الدولارات في الاقتصاد الروسي و الصيني و الجنوب إفريقي، تجنبا لأي تسريبات مستقبلية يمكنها أن تزيد من تأزيم وضع قصر المرادية، الذي أصبح مستهدفا إعلاميا من القنوات الأمريكية و الفرنسية على حد السواء.
نصل في مقالنا إلى ملف الاستقبال الرسمي الذي خصه رئيس دولة جنوب إفريقيا، “سيريل رامافوزا”، للرئيس الصحراوي الأخ “إبراهيم غالي”، و الذي سبقته تنظيم مظاهرة اجتجاجية أمام سفارة المغرب ببريتوريا، ننطلق في قراءة تجليات هذه الزيارة سياسيا و دبلوماسيا على وضعية القضية الصحراوية بالتزامن مع قرب إصدار مجلس الأمن لتوصية جديدة في ملف نزاعنا مع المحتل المغربي، و مستوى تأثيرها في قرار دول الفيتو، و قبل هذا الاستقبال كان قد أثير نقاش واسع عن جدوى مشاركة الدولة الصحراوية في قمة “تيكاد” بدولة تونس، و الاستقبال المضطرب الذي حضي به الأخ القائد من طرف نظيره الرئيس التونسي “قيس السعيد”، و عدم تأثيره في خارطة الدعم الدولية و الجهوية لقضيتنا، و أنه كجميع الموقف المساندة لنا يمكن اعتباره لا حدث، و مستوى تأثيره صفر على وضع ملف الصحراء الغربية بدواليب الأمم المتحدة و بالعواصم الدولة للتكتلات القارية.
حقيقة أثارتني كثيرا كلمة وزير خارجية دولة الاحتلال المغربي و هو يجيب أحد الصحفيين خلال ندوة إعلامية شاركت فيها وزيرة خارجية بلجيكا، حيث معقل و بيت الإتحاد الأوربي، و كانت الندوة مخصصة لإعلان بروكسيل دعمها لمشروع “الحكم الذاتي” و انضمامه لطابور الدول التي تدعم موقف الرباط، حيث وصف”بوريطة” ذلك الاستقبال الجنوب إفريقي لقائدنا بالبهرجة الإعلامية و الشو الدبلوماسي الذي لا يغير من الواقع أي شيء… و هذا كلام صحيح، لأن دولة جنوب إفريقيا تسلمت من قبل الرئاسة الدورية الإتحاد الإفريقي، و تسلمت عضوية مجلس الأمن و كانت على رأس اجتماعات دولية رفيعة…، و لم تغير شيئا من واقع أن الرباط تمتلك حلفاء أقوياء و انتزعت من جنوب افريقيا صفقات طاقية مع بريطانيا بقوة الوضع الاقتصادي الذي أصبح يرجح لصالح الرباط.
لكن رغم ذلك لا يمكن نفي أن بريتوريا هي محور الدعم لقضيتنا دوليا إلى جانب الدعم الذي نتحصل عليه من الحليف الجزائري، لكن وصول هذا الدعم إلى مستوى الاستقبال الاستعراضي لمدة ثلاثة أيام…، دون أن يتم الإعلان عن توقيع اتفاقيات أو حصول الدولة الصحراوية على دعم مالي أو وعود ببناء مؤسسات اجتماعية و صحية بالمخيمات من طرف دولة جنوب إفريقيا، و الاكتفاء بمنح الأخ القائد جولة في أرجاء تلك البلاد، و جعل تلك الزيارة أشبه بمكافئة تحصل عليها الأخ بعد فوزه في مسابقة تلفزية كانت جائزتها الحصول على تذكرة سفر و اصطياف و استجمام في دولة جنوب إفريقيا، ثم عودته من هناك و هو منهك و مريض كي يُهتف له في المخيمات بتحقيق إنجاز عظيم لا يراه غير من في قلبه مرض بالمخيمات…، فيما الرباط تجر وزراء خارجية دول أوروبا للوقوف أمام الميكروفونات و عدسات التصوير للاعتراف بـ “سيادة الرباط على الصحراء الغربية”.
لكن السؤال الذي يجب أن نجد له عناصر الإجابة، هو السبب الذي يجعل نظام دولة جنوب إفريقيا يظهر حبه للقضية الصحراوية في الوقت الحالي و يفرط في استعراضه إعلاميا من خلال زيارة الأخ القائد، حيث يجيب بعض العارفين بخبايا السياسة الدولية بأن للأمر علاقة باستدعاء الرباط من طرف مجموعة السبعة الكبار في العالم (G7)، للمشاركة في القمة المقبلة التي ستتحدث عن مستقبل العالم الطاقي و الغذائي، عطفا على النتائج الضخمة التي حققتها الرباط في هذا المجال و دخولها عصر الطاقات البديلة و أيضا سيطرتها على سوق الأسمدة في العالم، و هو الاختراق الذي ترى فيه دولة جنوب إفريقيا تهديدا لمصالحها الاقتصادية، خصوصا و أن الأرقام تقول بأن الرباط أخذت من جنوب إفريقيا الريادة الإفريقية، و ستتحول بريتوريا في قادم الأيام إلى دولة يتجاهلها العالم الأول في شراكاته و سيفضل عليها الرباط.
لكن الخبراء يشركون أسباب أخرى تؤجج مشاعر عداء النظام الجنوب إفريقي تجاه المغربي، و يتعلق الأمر بصفقات السلاح الجنوب إفريقية مع الجزائر، بعدما أنقذ قصر المرادية عنق “رامافوزا” الذي تتهمه المعارضة الجنوب إفريقيا بالفشل في الترويج للصناعات الحربية الجنوب إفريقية، و اشتراط الجزائر من أجل إتمام صفقات التسليح و إنقاذ الشركات الجنوب إفريقية من الإفلاس، حصول الرئيس “إبراهيم غالي” على استقبال رسمي كما حصل في تونس، و تقديم الدعم للدولة الصحراوية و للأخ القائد قبيل المؤتمر العام للجبهة…، و أيضا غضب بريتوريا من الرباط بعد إعلانها بالأمم المتحدة أنها ستوفر 80% من حاجيات إفريقيا من الأسمدة، لكن المسؤول المغربي استثنى في هذه التغطية دولتين افريقيتين فقط هما؛ جنوب إفريقيا و الجزائر.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك