بـقـلـم : حـسـام الـصـحـراء
للسينما الأمريكية دروس و مواقف غاية في الرقي، ذلك أن في فيلم “العراب” الذي يتناول قصص المافيا الايطالية بأمريكا، حين قُتل الابن الأكبر “سوني”، قرر “فيتو” الأب، و العراب الكبير لأسرة “كورليوني”، أن يجتمع مع كبار العائلات الخمس المهيمنة ممن تورطوا في قتل ابنه، و عرض عليهم الهدنة في مشهد شهير حاز لوحدة على الأوسكار، حيث توقع الجميع أن يتصرف بردة فعل مدمرة و أن ينتقم لدم ابنه المراق،غير انه قال لهم: “أنا أمتنع عن كل الأعمال الانتقامية التي لن تعيد إلي ابني، لكن لدي ابن في صقلية بدأت إجراءات نقله إلى أمريكا…، أريده أن يحيا معي سالما”.
تمكن “فيتو” من إقناع الأسر الخمس بالصفقة، و بالتالي ترك ابنه الأصغر”مايكل” سالما، الذي جاء إلى أمريكا من صقلية، و ترأس العائلة و نجح في إعادتها إلى سكة السيطرة، و بدأ انتقامه بتكسير سلطة باقي الأسر الإيطالية المافيوزية في أمريكا، و أنشأ مافيا قوية تحت سيطرة عائلته…، كانت نظرة العراب الأكبر “فيتو كورليوني” أكثر حكمة و خبرة، فهو كان يسعى إلى انتقام جذري و مفصلي…، و ليس مجرد ردة فعل ظرفية غير مضمونة النتائج… !!
سأحاول مع هذه المشاهد من السينما الأمريكية فهم سلوك خارجية الجزائر بعد أن أعلنت بشكل رسمي، و في ردة فعل عاطفية سحب سفيرها من أبيدجان، و ليس استدعاؤه للتشاور، و لم تكتفي الجزائر الحليفة ببيان كما في السابق، بل أظهرت تأثرا كبيرا و مبالغا فيه، ولا أقول مبالغا فيه بشكل سفسطائي لملئ فراغ التعابير، بل لأنها تصرفت بوطنية و انتماء أكثر من قيادتنا، و كأنها صاحب العقد و الفسخ في القضية الصحراوية، حتى ظننا نحن الإعلام الحر الصحراوي أنها هي التي تطالب بالصحراء الغربية، فكاد يختلط علينا الأمر، و هذا الموقف مخيف إلى حد ما لأن الجزائر بهذا الأسلوب يمكن القول أنها تتصرف بعشوائية و لا تستطيع أن تخفي مشاعرها الحقيقية، و الرئيس “تبون” بلغة معلقي كرة القدم يمكن القول “أخطاء هذا اللاعب تخوف كثيرا”.
خشونة الموقف الدبلوماسي الجزائري، تضعنا أمام ضرورة التبرير لنظام المرادية، و التحمل نيابة عنه سوء الفهم الذي سيرافق تصرفه و تناقضاته العجيبة، بعد أن تَعفَّفت الجزائر عن سحب سفيرها من أمريكا التي نقلت سفارتها إلى قلب القدس الشريف، فيما سارعت و سحبت سفيرها في أبيدجان لأنها فتحت قنصلية لها في العيون المحتلة، يبدو الوضع مخزي و لا يمكن تبريره، و كنا نتمنى كشعب صحراوي موقفا أكثر توازنا من قصر المرادية، لأن دبلوماسية الجزائر ظهرت في موقف كوميدي جدا و كأن مساجد العيون المحتلة أكثر رمزية و أكثر قداسة من مسجد “قبة الصخرة” أولى القبلتين و ثالث الحرمين….
لكن من يستطيع التلويح بأصبعه للعم “ترامب” الذي اصطاد ” قاسم سليمان”، و هو بين أحضان الشيعة كي يقدم النصيحة إلى الأنظمة العسكرية أو التي يحركها العسكر؟، و لنقل أنها أمريكا الجبارة، كان على الأقل لتسحب الجزائر سفيرها من الدول السبعة الأخرى التي نقلت سفارتها إلى مدينة القدس الشريف و هي غواتيمالا و هندوراس و جزر مارشال و ميكرونيزيا و ناورو و بالاو…، و الطوغو البلد الإفريقي، عضو الإتحاد الإفريقي، و من السهل فعل ذلك، أم أن “تل أبيب” قد تشكو “تبون” إلى العم “ترامب” و تبلغه حقيقة الانتخابات التي أوصلته إلى بيت الحكم… و أن “شنقريحة” قد يكون “سليمان” آخر منسي و تفتح ملفاته في ليبيا و مالي…، نحن لا نكتب بسخرية إلا لتبسيط الفهم و شرح الموقف بأن قضيتنا ليست حديقة خلفية لتصفية الحسابات.
لا تتوقف تناقضات الرجل هنا، فهو يغري القيادة الصحراوية بـ 550 مليون دولار للنزوح و الهجرة إلى تيفاريتي، و إخلاء قفار تندوف، ثم تعود الجزائر بعد هذا السخاء و الرغبة في إلقاء حمل القضية الصحراوية خارج حدودها، لتحتج على الدول التي فتحت قنصليات لها في مدن الصحراء الغربية، و تسحب سفيرها من دولة الكوت ديفوار، ثم يعلن الرئيس “تبون” في لقاء مع قناة روسية أن المغرب و الجزائر أخوة و أن الشعبين على درجة من الحب و الوئام، و أن تطوير إتحاد المغرب العربي سيحدث و ستمشي العلاقات المغربية الجزائرية كما يمشي الأحبة، ثم يعود نفس الرئيس ليخص جريدة “لوفيغارو” الفرنسية بحوار مطول بعد أيام من شكواه لـ “أردوغان” عن جرائم فرنسا حيث إتهم الرباط في ذلك اللقاء بأنها تعادي مصالح الجزائر و أن المغرب لديه لوبي قوي يسعى إلى تدمير كل الشراكات بين فرنسا الصديقة و الجزائر، ثم يستفيق الرئيس “تبون” في صباح اليوم الموالي و يقابل الصحافة الجزائرية و يخبرها أن المغرب و الجزائر دولتين شقيقتين… !!!
هذا واقع و يحدث في قصر المرادية، و أظن أن الرئيس الجزائري مطالب اليوم قبل غد بتغيير محيطه، و من يفتون عليه بالقول، و أن يبحث عن خبراء إستراتيجيين، لأن سحب السفير من طرف الجزائر أشبه بتصرف رجل عقد مؤامرة سرية و حين أخفقت المحاولة و لم تتحقق الأهداف خرج للإعلام و احتج على عدم احترام ما جاء في المؤامرة السرية…، لأن حدث سحب السفير في ردة فعل عاطفية و متسرعة، يكفي ليجعل العالم يقتنع بأن الشعب الصحراوي و القضية الصحراوية مجرد أرنب سباق، و أن الصراع على الصحراء الغربية هو ثنائي بين المغرب و الجزائر، و أن الجزائر اليوم ترى في الصحراء الغربية الإلدورادو الاقتصادي، و هذا يؤكد ما يروج من شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن الجزائر وعدت جنوب إفريقيا فعلا ببعض المنافع في الصحراء الغربية إذا ما رفعت وثيرة الضغط على المحتل المغربي، و نجحت في إرغامه على تقاسم الصحراء.
كم يشعرني هذا الفهم بالتوعك الصحفي، لأن الحزن يصبح مضاعفا حين تكون ضمن الحلقة الضيقة من الصحفيين الذين يرون الأحداث بعيدا عن نزعة الانتماء و كبرياء الوطنية، و حتى نختم هذا المقال فقد قرأت لأحد النشطاء الصحراويين بأن مشروع ترحيل الشعب الصحراوي إلى تيفاريتي خضع إلى دراسة عميقة في مركز الذكاء الصحراوي من طرف نخبة من العميقين جدا و أنهم خلصوا إلى التالي : أن فلسفة للقيادة للمشروع يقضي بمنح الأولوية للإنسان الصحراوي الذي يتقدم طبقاته الاجتماعية نخبة الهنتاتة، و هي ترى أن صرف المبلغ من أجل تأهيل المنطقة و مدها بما يلزم هو تبذير للمال، و تلك المنطقة ستبتلع الـ550 مليون كي تتحول من منطقة مهجورة إلى بقعة أشبه بما نراه من صور محطة النزول على سطح القمر، بعض البنايات و التحديثات و بشر يعد على رؤوس الأصابع و فراغ مطلق ثم مستقبل مجهول…، حيث ترى القيادة أن تقوم بتوزيع الملايين الجزائرية على الشعب الصحراوي و أن تترك الحرية للمواطنين الصحراوين كي يشتري كل منهم لنفسه جنسية على مقاسه و (دقي يا مزيكا)… صدقوني لا نرقى لمستوى شعب و لا نملك بنية الدولة.
إبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك