بقلم: الغضنفر
هناك مثل انجليزي يقول: “إن الصورة أبلغ من ألفَ كلمة“،… تذكرت هذه المقولة وأنا أحاول أن استقري الرسائل التي حملتها الصورة التي اختارتها الخارجية الأمريكية بمناسبة احتفالها بالذكرى الـ 231 لنشأتها، حيث نشرت – تحت عنوان “أكثر من 230 سنة من الدبلوماسية الأمريكية”- صورة لوزير الخارجية الأمريكي،”بومبيو”، رفقة المسؤول الأمني الأول للمغرب، “عبد اللطيف حموشي“، المدير العام لجهازي الاستخبارات المدنية (المعروف اختصارا بـ “الديستي”) و “الأمن الوطني”، و هي الصورة التي التقطت خلال زيارة المسؤول الأمريكي الأخيرة للرباط.
و بغض النظر عن الإحساس بالغبن الذي يتولد في دواخلنا بسبب هذه المقارنة الصارخة بين الصورة الجامدة و الكلمة المفعمة بالحياة، بحكم أننا جزء من الأمة العربية، التي تعتبر “حضارة لسان”، إلا أننا كشعب مقاوم لا بد أن نتتبع كل خطوات المحتل المغربي للتأثير في القوى الكبرى العالمية، ذلك أن السفارة الأمريكية بالرباط أعادت نشر نفس الصورة على تويتر، مع تدوينة كلها غزل في العلاقات بين البلدين، حيث كتبت: “وتفخر بعثتنا الأمريكية في المغرب بالإشارة إلى أن علاقتنا الدبلوماسية الطويلة الأمد مع المملكة هي أقدم من وزارة الخارجية! شركاء في الأمن، اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الوحيدة في إفريقيا، شراكتنا أقوى من أي وقت مضى”.
ليس من قبيل الصدفة أن تنشر الخارجية الأمريكية تلك الصورة، و لو أنها كانت تريد الاحتفاء بالعلاقات الدبلوماسية فقط، لاختارت الصورة التي جمعت بين وزيري خارجية البلدين خلال تلك الزيارة، و لكن لأن الولايات المتحدة الأمريكية يؤرقها ملف الإرهاب و الجماعات المتطرفة، فقد اختارت صورة “حموشي” كاعتراف بالدور الكبير الذي تلعبه عالميا الأجهزة الأمنية للمحتل المغربي، و هذا أمر يجب أن تأخذه بعين الاعتبار القيادة الصحراوية في طرحها للاستراتيجيات المستقبلية ،التي تم الكشف عنها مؤخرا، كمسألة رفض استقبال المبعوث الأممي على الأراضي الجزائرية و الضغط على الأمم المتحدة لنقل ممثلها للأراضي المحررة إذا كانت تريد عقد أي لقاء مع قيادات الجبهة، إذ أن قيادتنا لا تملك أي ورقة ضغط لتفعيل هذه التوصية، و إذا تم هذا الأمر سيكون من قبيل التفهم و ليس الادعان.
و نفس الملاحظة بخصوص غياب أوراق ضغط بيد القيادة، يمكن تعميمها على باقي الأمور التي تقول بأنها ستعمل عليها تدريجيا، خصوصا مشروع تقليص دور “المينورصو” و حصره في تطبيق الإستفتاء، و عدم مشاركة الجبهة في أي مفاوضات مستقبلية ما لم تعتمد الاستفتاء كأرضية صلبة للتفاوض، و فرض قوائم الإحصاء الاسباني كمرجعية وحيدة للاستفتاء، و غلق الگرگرات أمام أي نشاط تجاري،… فلا يمكن أن تنفذ القيادة شيئا من كل هذه التوصيات دون أن تتوفر على غطاء دبلوماسي قوي و فعال تساعد في تنزيل كل نقطة ، … و للأسف الجهاز الدبلوماسي لدولتنا و للحليفة الجزائر معطل حاليا، في الوقت الذي يقوي فيه المحتل المغربي دبلوماسيته و يعززها بانخراطه في قضايا عالمية كمحاربة الإرهاب.
فالأسلحة العسكرية لن تحسم لوحدها أمر القضية الوطنية، ذلك أنه مهما بلغ تطور الأسلحة التي حصلت عليها قيادتنا مؤخرا، و مهما كانت جاهزية جيشنا للدخول في حرب مع المحتل المغربي، و مهما كانت الترتيبات التي اتخذت في المناطق المحررة، فالحرب والدبلوماسية صنوان لا يفترقان؛ فكل حرب يجب أن يسبقها ويتخللها ويتلوها عمل دبلوماسي، وقد يحقق مقاتلونا نتائج باهرة في ميادين القتال، لكن كل هذا سيكون بلا قيمة إذا خذلتهم الدبلوماسية، وقد تنتصر الدبلوماسية وحدها دون إطلاق رصاصة واحدة، إلا أن الحرب وحدها لا تحقق أهدافها دون دبلوماسية فاعلة، فإذا كانت القيادة الصحراوية تأخذ في الحسبان التفوق العسكري للمحتل جوا، و اتخذت استعداداتها برا لتدمير مقاتلاته، فإن العمل الدبلوماسي هو الآخر يجب أن يتجاوز الآليات الاشتغال التقليدية من خلال السفراء و القناصل ، بل عليه أن يتوسع لينخرط فيه كل الفاعلين في مجالات أخرى كالأمن و الرياضة و الثقافة و المجتمع المدني .… الخ.

كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك