بـقـلـم : بن بطوش
يحدث أن تبلغ المهانة ذروتها في زمن الغثاء الصحراوي الأحوى…، و يكفينا وجعا أن المهانة و الذل و الحزن أصبحت اختصاص نخبنا التي أوكلنا لهم رقابنا و رقاب من سيخلفنا من الأجيال، و في ذلك صمتنا على هتكهم لحرمة العهد الذي قطعه الرعيل الأول…، و من الآن نقولها أننا لن نغفر لأحد كان وراء ما حدث في مدينة نيوميكسكو و قبلها بمدريد و بالكركرات…، لن ننسى لهم هذه الخيانة التي ذكرتنا بجماهير كطالونيا يوم تاجروا بتاريخ ناديهم، و سمحوا للألمان بالدخول إلى حرم الشرف الكطالاني و استحياء مجدهم الكروي، و كذلك فعل بعض قادتنا و دبلوماسيونا و شبابنا الذين تركوا ندوة الشرف الصحراوي و فضلوا التيه في شوارع العاصمة المكسيكية، بعدما أنفقت عليهم أموال الجائعين في المخيمات كي يصرخوا في قلب أمريكا اللاتينية و يُسمعوا صوت المستضعفين في شعاب هذا الربع من الخلاء.
حينما توصلنا على هذا الموقع الحر بصورة المنتدى الاجتماعي الذي عقد بالمكسيك، قلنا أن الأمر فيه تحريف و تزييف، لأن دول أمريكا الجنوبية هي معقل الثوار و مركز أسرار القضية الصحراوية، فطالبنا بالتحقق لتصلنا نفس الصور مع التوثيق الظرفي و الزماني و المكاني للحدث، فقمنا بعد الحاضرين، فإذا بهم سبعة أفراد لا ثامن لهم، و اغلبهم الأعظم مكسكيو الجنسية، حظروا لأن الندوة اجتماعية فقط و ليس لتعاطفهم مع القضية، فيما غاب دبلوماسيو الدولة الصحراوية في أمريكا اللاتينية و اختفى الوفد الصحراوي الذي أنفقت عليه مئات آلاف الدولارات للإقامة في الأجنحة الفاخرة بالفنادق و للأكل في أفخم المطاعم، و منحت لهم أموال عينية من أجل التبضع…، فتخلفوا عن الندوة و فضلوا التيه في الشوارع و الانزواء في الحانات…، فاستشرنا مع أحد كهول القضية الصحراوية و أعلامها و أخبرناه عما حدث و كيف يراه…؟، الذي أفتى علينا بأن مشروع الدولة الصحراوية يحتضر، و أن كل ما بقي منه هو دفتر الشيكات بين يدي القيادة تقدمه بهواها دون رقيب أو حسيب.
تَحْدُثُ لنا هذه المهانة في عصر الحروب العظيمة، و في زمن حروب المستقبل…، حيث ثبت فعلا و أعلن بشكل رسمي في إسبانيا أن هاتف رئيس الحكومة “سانشيز” و وزيرة دفاعه جرى اختراقهما مخابراتيا، و أن المتهم الأول في هذا الاختراق هو المحتل المغربي، و أن الاختراق جعل مدريد تشعر بالإهانة، و تفضل الصمت و عدم التهور في إي ردة فعل، بل نشرت عبر منصاتها الرسمية بأن الجهات التي أنجزت الخبرة الإلكترونية على الهواتف المخترقة لم تستطع أن تحدد الجهات التي تقف وراء هذا الاختراق، بل الأكثر من هذا فالحكومة الإسبانية تعتبر الأمر على الرغم من حساسيته أمرا متوقع الحدوث و أنه شيء يكاد يكون “عاديا”، لأن العالم يعيش حربا كونية لتجميع المعلومات و أن الشخصيات الحاكمة و المؤثرة في دولة مثل إسبانيا، ستكون هدفا مخابراتيا مفتوحا.
بالمقابل و كردة فعل إسبانية أمام الإحراج الكبير الذي تسبب فيه خبر اختراق هاتف رئيس الوزراء الإسباني و وزيرته في الدفاع، منحت دوائر السلطة في مدريد الضوء الأخضر للجرائد المقربة من الأجهزة السرية الإسبانية، من أجل إعادة نشر المعطيات التي سبق و كشفت عنها شركة الأمن السيبيراني الروسية “Kaspersky“، حين نشرت شيفرة مشبوهة لبرنامج إسباني – ألماني قالت جريدة “إلموندو” سنة 2015 أنه يحمل إسم “كاريتو“، و المثير أن الدولة الإسبانية خلال ثماني سنوات استخدمته ضد دول جرى اختيارهم بعناية حسب المصالح الأمنية والإستراتيجية و الاقتصادية لمدريد، حيث قالت الجريدة الإسبانية أنه جرى استهداف بالدرجة الأولى 383 هاتف و حاسوب مغربي، فيما بدرجة ثانية جرى استهداف دولة البرازيل بـ 173 اختراق، و كانت إسبانيا تخشى كثيرا على استثماراتها في البنية التحتية بدولة البرازيل بسبب الاضطرابات الاجتماعية التي رافقت تنظيم كأس العالم، و أيضا بسبب المنافسة الكبيرة للشركات الأمريكية فوق التراب البرازيلي، وجاءت المملكة المتحدة في المركز الثالث بـ 109 اختراق، و كلنا نعلم الصراع البريطاني – الإسباني حول جبل طارق.
هنا يمكننا طرح الأسئلة الحارقة، حول سر غياب الجزائر عن لائحة الأهداف الإسبانية و عدم ذكر التقرير أي خبر عن اختراق هواتف القيادة الصحراوية، و كبار قادة الجيش في دولة الحليف الجزائري، ثم لماذا لجأ الأسبان إلى إعادة نشر هذه المعطيات كرد على اعتراف سلطات الأمن الرقمية في مدريد بحصول اختراق لهاتف رئيس الحكومة و عدم حدوث الأمر مع هاتف الملك “فليبي”…؟
هنا نعود إلى إعادة تجميع بعض المعطيات التي ارتبطت بالخضوع الإسباني للرباط، فمباشرة بعد زيارة “سانشيز” و توثيق الدعم المدريدي للحكم الذاتي المغربي في السجل الفيدرالي – الملكي للنظام الإسباني، و اعتباره خيارا إستراتيجيا، بعده عمد الإعلام الإسباني و الوكالات غير الحكومية إلى الهجوم على حكومة “سانشيز” و تأجيج المعارضة الإسبانية و حشدها بشكل غير مسبوق، و هذا لم يحدث حتى عندما قامت منطقة كطالونيا بتنظيم استفتاء لتقرير مصيرها و انتخاب رئيس لها، حيث ساد الترقب الإعلامي الحذر، مما يعني أن التحرك الإعلامي و تجييش المعارضة كان ورائه أطراف أضرها الموقف الإسباني بخصوص الصحراء الغربية، و هنا يحيلنا الفهم على الدولة الصحراوية و الحليف الجزائري، الذي أنفق أموال كثيرة جدا لتحقيق هذه الثورة الإعلامية ضد “سانشيز” و وزرائه، و تنفيذ استطلاعات للرأي كلها تستهدف كشف مشاعر الخوف عند الإسبان من الجار المغربي.
و هذه المعطيات تشرح لنا لماذا تغيب الجزائر و قيادتنا عن أهداف المخابرات الإسبانية، لأن الدولة العميقة في إسبانيا ترى في الجزائر حليف يسهل إخضاعه و ليس له ماضي تاريخي مزعج للإسبان، و لم يسبق للجنود الجزائريين أن حاصروا مدريد مع “فرنكو” كما فعل المحتل المغربي، و ترى في النظام الجزائري و الدولة الصحراوية مُنَفِّذين مجتهدين للأجندات الإسبانية في المنطقة، كما أن الجزائر تمثل في الوعي الإسباني الرسمي، صورة محطة الوقود التي لا تبخل عن تزيد الإسباني بحاجاتهم و دون تكلفة عالية، و حتى دون دفع في بعض الحالات.
في هذه الزاوية تجتمع مآسي الشعب الصحراوي و حتى الشعب الجزائري، و سبب غياب الجزائر و قادة الدولة الصحراوية عن لائحة الأهداف التي تضم الرباط إلى جانب البرازيل و بريطانيا…، و ردة فعل إسبانيا الهادئة حتى الآن تؤكد أن مستوى الحرب المخابراتية بين الجارين متقدم جدا، و يكشف مدى ضعف الحليف في هذا النوع من المعارك التي تتطلب ذكاءا تكنولوجيا خارقا، تتفوق فيه الرباط إفريقيا و عربيا، و أن الجنرال الجزائري “قايدي” الذي أبعده “سعيد سنقريحة” كان محقا يوم حذر الجيش الجزائري من قوة الجيش المغربي و قال لهم بالحرف: “نحن لا نعلم حجم قوتهم و ستكون الحرب مغامرة قد تحول الصحراء الغربية إلى مقربة للجيش الجزائري”، ففضل بعدها كبير “سعيد شنقريحة” إبعاد الجنرال “المنجل” و الأخذ بنصيحة، و تجريب الحرب في صيغتها الجديدة مع الرباط باستخدام عناصر الجيش الصحراوي.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
|
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك
|
| |||||||