بقلم: الغضنفر
منذ ما يزيد على أربعين عاما، وتحديدا في 30 مارس 1981، وأثناء تنظيم حفل لإحياء ذكرى “يوم الأرض” في مدينة القدس المحتلة، اعتلى منصة المهرجان الشاعر الكبير الراحل “سميح القاسم”، وخطب في الجمهور الحاشد في تلك المناسبة، ومما قاله: أنه خلال الحملات الانتخابات البرلمانية في عشرينات القرن الماضي بدولة مصر الشقيقة، خاطب الزعيم “سعد زغلول” الحشود المتجمهرة حول المنصة، وكان أنصاره قد جمعوا له عددا من “الهتّيفة” (أفراد مأجورون دورهم هو الهتاف و ترديد بعض الشعارات لتحميس الجماهير) بعد أن لقّنوهم بأن يهتفوا بآخر جملة يقولها الزعيم، وبدأ “سعد زغلول” خطابه قائلا: “أيّها الأخوة المواطنون”، فردد “الهتّيفة” بصوت واحد: “ليعش الإخوة المواطنون”،… وممّا قاله كذلك الزعيم: “وفي حالة فوزنا بأغلبية المقاعد البرلمانية وتشكيلنا للحكومة سنعمل على تنمية الاقتصاد”، فصاح “الهتّيفة”: “فلتعش تنمية الاقتصاد”… وواصل الزعيم خطابه إلى أن قال:”وستعمل حكومتنا على إلغاء البغاء العلني”، فصاح “الهتّيفة”: “فليعش البغاء العلني”….!، وعندها علق “سميح القاسم” على هذه الحادثة بقوله: ” أمّا نحن فدعونا نهتف بهذه المناسبة؛ فليسقط البغاء السّياسي العلني” … وكان وقتها يقصد تنظيم “روابط القرى” الذي أسّسه الاحتلال الإسرائيلي سنة 1978؛ لتكون قيادة بديلة لـ “منظمة التحرير الفلسطينية”، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وبما أن “البغاء/العهر النضالي و السياسي” عشّش – منذ سنوات- في مفاصل قضيتنا الصحراوية، و يحاول موقعنا الإعلامي مع العديد من أبناء الوطن الشرفاء الغيورون على الوطن فكريا التصدي لهذه الآفة، و لو بأضعف الإيمان من خلال كتابات نقدية لكل ما من شأنه أن يُؤثر سلبا أو إيجابا على مسار الثورة الصحراوية، و قراءة التطورات بموضوعية، بعيدا عن أصوات”الهتّيفة” التي تحاول مسح زجاج البيت الأصفر بتمجيد انتصارات الوهم للقيادة الصحراوية، فإنه منذ اليوم يمكن الحديث كذلك عن ميلاد “البغاء الثّقافي” أيضا؛ حيث أقدمت الحكومة الصحراوية، عبر وزارة الشؤون الاجتماعية وترقية المرأة، عن إطلاق مسابقة لنيل “جائزة سلطانة خيا للإبداع الثقافي النسوي”، و ذلك في إطار تخليد اليوم العالمي للمرأة الموافق لـ 08 مارس من كل سنة.
هذه البدعة تشرف عليها الأخت “ماميها الشيخ البشير”، المديرة المركزية لترقية المرأة بالوزارة، و قيل عن المسابقة بأنها ستكون مفتوحة إلى غاية 24 فبراير من هذه السنة و أنها متاحة في وجه كل النساء والفتيات الصحراويات من مختلف أماكن تواجدهن، سواء بمخيمات اللاجئين بتندوف و المناطق المحرمة والمحتلة وفي المهجر والجاليات، من خلال مشاركتهن بأعمال أدبية و فنية مكتوبة ومطبوعة ( القصة القصيرة -الشعر العربي -الشعر الحساني -الفنون التشكيلية)، و قيل كذلك بأن الجوائز ستكون “قيّمة” و ستمنح للفائزات الثلاثة الأوائل في كل صنف من الأصناف الإبداعية السابقة، من خلال تقييم و تنقيط لأعضاء”لجنة تحكيم” من ذوي الاختصاصات السابقة.
الحقيقة أنني لست ضد خلق جائزة للإبداع الثقافي النسوي في إطار الاحتفال بيوم المرأة العالمي، و لكني ضد تجاهل أسماء ثقافية كبيرة من أمثال الفنانة المرحومة “مريم الحسان” التي لا زالت أغانيها الثورية ترن في الآذان، أو الأخت “خديجة حمدي” – شفاها الله من مرضها العضال- التي قدمت الكثير للثقافة كوزيرة في المجال في عهد زوجها الراحل “محمد عبد العزيز”، و بالتالي فإنني قطعا ضد اختيار اسم الجاهلة و الفاسقة “سلطانة خيا” كرمز ثقافي صحراوي، لأنني مؤمن بأن الكثيرات من المبدعات الصحراويات لا يشرفهن أن يتوّجن بجائزة اقل من مستواهن بكثير، بسبب أنها تحمل اسم امرأة عاهرة ماجنة تعتاش على الاستجداء والصدقات وكدّ فرجها السهل المُباح… هابطة منحرفة، كانت تقضي أوطار الرجال معها مضاجعة سفاد من أجل المال، حيث لا ثقافة و لا شرف لها ولا عزّة ولا كرامة… أو كما يقول بعض الفلاسفة : الفاسقة عندما تسمع الثقافة تنزع ملابسها.
ما كنت لأتطرق لموضوع “جائزة سلطانة خيا”، لولا أنني – كأحد مثقفي هذا الشعب- أدرك جيدا تلك العلاقة التبادلية بين الثقافة والثورة؛ ذلك أن ما يضمن استمرار الفكر الثوري للشعب الصحراوي من جيل إلى جيل هو الحرص على إبداع انتاجات ثقافية جيّدة لتغذي و تطور هذا الفكر، سواء أكانت شعرا أو رواية أو قصة أو غناءا أو سينما أو فنا جميلا، أي كل أنواع الإبداع الفني والأدبي والفكري الأخرى،… و بالتالي فالثورة لا تستحق أن تحمل هذا النعت، عن جدارة واستحقاق، إن لم تأت بمشروع ثقافي تنويري كبير؛ يجدد فينا الإيمان بالوطن و القضية …. نعم الثورة هي الشكل الأرقى من الثقافة، أو كما قال “بول إيلوار”: ” الثورة هي أعلى أشكال الإبداع”.… لكن أن يتم ربط كل شيء يخص القضية الصحراوية مؤخرا، بما فيها الإبداع الثقافي الصحراوي، باسم “سلطانة خيا”، فهذا يدل على أن هامش المناورة لدى القيادة الصحراوية في صراعها مع المحتل المغربي أصبح منعدما، بل يمكن القول أنها وصلت مرحلة الإفلاس التام، لأن “سلطانة خيا” أصبحت القضية المحورية للقيادة الصحراوية في كل أنشطتها و اجتماعاتها و بياناتها و مراسلاتها مع الأوساط الحقوقية الدولية و المنتظم الدولي.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك