بـقـلـم : بن بطوش
في مقالاتنا دوما ما كنا نحتاج إلى بدايات كبيرة تشد القراء بعبرها، غير أن الأمر سيختلف هذه المرة و سننطلق في مقالنا من الوضع الصحي في دولة تونس الشقيقة، الذي لا يمنحنا الإحساس بالراحة و يضيف إلى أحزاننا حزنا جديدا، بعدما تقاسمنا سابقا مع إخوتنا في الخضراء هواجس العروبة و فتنة الثورة…، اليوم نتقاسم معهم رعب الانهيار في مواجهة طاعون العصر، ذلك أن تونس العزيزة، ذكرتنا بما جرى قبل شهور في إيطاليا و إسبانيا و إيران…، و قبله بأسابيع بالهند، حيث أعلنت الدولة رسميا فشل منظومتها الصحية في احتواء الوباء، و دخولها رسميا مرحلة النكبة و طلب المساعدة الدولية.
و مثلما تعودنا دوما فقد هبت الحليفة الجزائر بأوكسجينها و قطر بتجهيزاتها و تركيا بلقاحها و مصر بمعداتها و الرياض بأدويتها…، و لم نتوقع أن يبادر المحتل المغربي بمساعدة تونس، نظرا لبعض التصريحات التونسية التي شوشت على العلاقات بين البلدين و لكون الرئيس “قيس سعيد”، حتى الآن لم يزر الرباط، و هو الذي زار ليبيا و الجزائر و مصر…، و لم يعبر عن مساندة للمحتل المغربي في أزماته التي مرت سواء مع ألمانيا أو مع إسبانيا أو حين قرر ضم الكركرات…، لذلك يحسب للمغرب هبتها لنجدة تونس بإعلان تسخير مستشفيين بسعة 100 سرير إنعاش، و جهازي طرد و توليد أكسجين بقدرة 33 متر مكعب في الساعة لكل واحد…، ليبقى السؤال إذا ما كانت تونس قد انهارت منظومتها و هي الدولة ذات مقومات سياسية و اقتصادية و اجتماعية محترمة ، فكيف سيكون حالنا في المخيمات و نحن شعب لاجئ، إذا ما اشتد علينا بلاء الوباء و أطلق يده بيننا يسلب أهالينا الأرواح…، حينها هل تسمح لنا الجزائر بطلب النجدة أم ستتكلف بعلاجنا فردا – فردا بمستشفى “عين النعجة”؟ أم ستكتفي سلطات الحليف بنقاد حاشية “بن بطوش” و عُمّار البيت الأصفر؟
سنترك الجواب لتطور الأحداث، و نعرج رأسا إلى القضية الأهم، حيث أعلنت مجلة الجيش الجزائري أن قيادة الجيش بدأت رسميا ترسيم الحدود البرية مع دولتنا الصحراوية، و هو الخبر الذي هز فؤادنا كشعب صحراوي، و جعلنا نبحث عن المصادر و نترقب جديد الإعلام الرسمي الجزائري لفهم هذه الخطوة – القرار و أسرارها، إذ تقول الأخبار المتوفرة حتى الآن و التي نشرت على المنصات المقربة من الجيش الجزائري و قصر المرادية أن لجنة جزائرية – صحرواية، قد أشرفت على وضع اللمسات الأخيرة لعملية ترسيم الحدود بين البلدين يومي 14 و 15 يونيو الماضي بتندوف بإقليم الناحية العسكرية الثالثة، و شارك في أشغال اللجنة عن الجانب الجزائري اللواء “زرهوني عمار توفيق”، رئيس مصلحة الجغرافي والكشف عن بعد لأركان الجيش الوطني الشعبي، وعن الجانب الصحراوي الأمين العام لوزارة الأمن والتوثيق للجمهورية الصحراوية “سيدي أوغال”.
الطريقة التي تم بها تعميم الخبر من طرف مجلة الجيش الجزائري تبدو غير دقيقة و فضفاضة، و لم تحظى بالأهمية الإعلامية الكافية جهويا و مغاربيا و لم تثر أي نقاش لدى الرأي العام داخل دولة الاحتلال المغربي، و بالكاد أشارت لها بعض المنصات الإخبارية الإلكترونية و ناقشها بعض النشطاء في محتوى رقمي على منصة اليوتوب، لكن من جهتنا كإعلام صحراوي يتحرى المصداقية، لم نتوصل بأي بيان رسمي يتضمن التفاصيل الدقيقة لعملية الترسيم، و إذا ما تمت مراسلة الأمم المتحدة من طرف الدولة الصحراوية و النظام الجزائري، و إن كان ثمة ملف تقني و قانوني تم وضعه بشكل رسمي لدى مجلس الأمن و مر من البرلمان الصحراوي و الجزائري، و راسلت قيادتنا العواصم الدولية بشأنه و في مقدمتها واشنطن و موسكو…، و عن قرار و موقف المحاكم الدولية في هذا الصدد، لأن الأمر لا يتعلق بحلم يراد تحقيقه، أو رغبة فرد مبنية على التوقعات، بل عملية ترسيم الحدود في منطقة مشتعلة، لهذا وجب وضع قراءتين لا ثالثة لهما بالقول؛ إما أن قائد الجيش الجزائري يحاول استفزاز جيش الاحتلال المغربي و اختبار صبره قبل القيام بخطوة خطيرة ستلي عملية ترسيم الحدود، أو أن الرجل يعاني من اضطراب في القرارات و فعلا ضغط على الزر الخطأ.
و مهما كان الحال فإن الجزائر تعرف بأن الدولة الصحراوية لا تزال مشروعا لم يكتمل و لم يتحقق بعد، و أن قيادة الشعب الصحراوي موجودة رفقة جزء من الشعب في أرض اللجوء بالمخيمات، و أن الأراضي التي سيتم ترسيم الحدود معها لا تديرها هذه القيادة، و بالتالي القوة المدبرة للأرض في الصحراء الغربية هي دولة المحتل المغربي، و أن عملية الترسيم الجزائرية الصحراوية تبدو قانونيا لا أهمية لها، على اعتبار الجزائر رسمت الحدود مع قيادة تتواجد على الأراضي الجزائرية، مع العلم أن الرباط حين رسمت حدود الصحراء الغربية البحرية مع إسبانيا، لم توقع مع قيادتنا، و وافقت الأمم المتحدة من منطلق أن الرباط هي القوة التي تحكم المجال الترابي للصحراء الغربية، و كل الاحتجاجات التي قدمتها الجزائر و الطعون التي وضعتها فقيادتنا لم تلغي القرار.
هنا نصل إلى نقطة غاية في الأهمية، و تتعلق بترسيم حدود منطقة ملتهبة، و مجزأة إلى ثلاثة مناطق حدودية، الأولى هي المنطقة الجزائرية و التي تعد ترابا جزائريا، و المنطقة الثانية تقع خلف الجدار العسكري المغربي و تسيطر عليها الرباط بقوة السلاح، و المنطقة الثالثة تقع بين الجدار و الحدود الجزائرية و تطلق عليها قيادتنا اسم الأراضي المحررة فيما تسمى أمميا بالمناطق العازلة، و هي أراضي إن أرادت الجزائر رسم حدودها، فعليها أن تشاور الأمم المتحدة و أن تقدم ملفا قانوني و آخر تقينا و تدعم النقاط التي تحددها بالوثائق، و هنا نفتح قوسا آخر، و نتساءل هل الجزائر تسعى إلى ترسيم الحدود بناءا على ما خلفه الاستعمار الإسباني – الفرنسي، أم بناءا على نتائج حرب التحرير الصحراوية ضد الجيش المغربي و الموريتاني، أم بناءا على اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى خرقه…؟
و في الحالات الثلاثة فإن الدولة الجزائرية ترتكب حماقة كبيرة، و هي مضطرة لترسيم حدودها مع قوى لا ترتبط بأي علاقة مع الدولة الصحراوية، و هنا منطق القانون الدولي الذي يرفع يد الدولة الصحراوية و يمنعها من التوقيع، و يمنح الحق للرباط و الأمم المتحدة، ليكون الحكم على هذه الخطوة الجزائرية هو الفشل مع كامل الأسف…، لأن عملية ترسيم الحدود التي يتبناها الحليف هي مجرد ورقة للضغط على الرباط و استفزازه لجره إلى النقاش أو الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل ترسيم الحدود بشكل كلي، أو لجره إلى آتون الحرب، و حسب الملاحظ فإن الرباط ترفض الجلوس مع الجزائر و التفاعل مع قرارات قائد جيشها.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك