بـقـلـم : بن بطوش
نكتب هذا المقال و الجزائر تحيي ذكرى رئيسها الراحل “بوضياف” الذي قتل ذات خطاب كان قد ألقاه من المركز الثقافي بعنابة، فجروا قنبلة بجواره ثم أفرغوا رشاشهم في صدره، كانت الساعة الواحدة زوالا من يوم التاسع والعشرين من يونيو 1992، قتلوه كي لا تنهض الجزائر، التي لا تزال جاثية إلى اليوم تبحث نهضة لم تتحقق مع مصالحة “آل بوتفليقة” و دستور “تبون”، الذي لم يعلن بعد عن قيام الجمهورية الجزائرية الثانية، و الذي أعطى أوامره لطباعة 16 مليار دينار جزائري كأوراق مالية دون سند في الخزينة… تحل هذه الذكرى و الجزائر ليست بخير، و شعبها يعاني طوابير السيولة من أجل كل شيء؛ من السميد إلى الحليب إلى الزيت إلى الماء إلى الوقود إلى سحب الرواتب…، مع حلول ذكرى إغتيال رجل الإصلاحات و المصالحات… خرج الشعب إلى الشوارع في جمعة الغضب يحمل شعار الراحل “هواري بومدين” الجزائر تعاني أزمة رجال… !!
و لأن قضيتنا امتداد لقضايا الجزائر و لا يمكن فصلها عما يحدث هناك، حيث تختلط فيها مصالح البيت الأصفر بالرابوني بمصالح قصر المرادية، فنحن أيضا نقول أن أزمتنا أزمة رجال و همم، و أن الذي يقع للقضية الصحراوية يجعلها في وضع محرج و يدخلنا مرحلة الشك المطلق…، و أمريكا التي قال عنها قادتنا أنها ستسحب اعترافها بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، و أن الاعتراف السابق كان مجرد تغريدة للرئيس الأمريكي “ترامب” في الوقت الضائع من عمر ولايته، و أن الرئيس الحالي “جو بايدن” سيرفض الاستمرار في المغامرة…، هي اليوم تؤكد على لسان وزير خارجيتها أنها تدعم ذلك القرار و أن لا جديد في الموقف الأمريكي بخصوص الرباط.
كلام المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “نيد برايس” خلال مؤتمر صحفي، جاء فيه بأن “هذا سيظل موقف إدارة الرئيس “جو بايدن”، يضعنا أمام أمرين؛ أولهما رغبتنا في مساءلة القيادة بالرابوني و جيش الدبلوماسيين و في مقدمتهم الدكتور “سيدي محمد عمار” الذي لم يفوت فرصة ليحاضر فينا و يتقيأ علينا ثقافته العالية في القانون الدولي، حيث سبق له أن أخبرنا أن تغريدة “ترامب” انتهت بزوال سلطان هذا الأخير، و أن الاعتراف الأمريكي سيكون مصيره السحب، و بعد أن أقنعنا بالأمر عليه أن يقف اليوم أمام الشعب الصحراوي ليس للاعتذار… لأنه لا يكفينا، بل لتقديم الاستقالة، فلو أن الأمر حدث في ديمقراطية تحترم شعبها لتم جره إلى القضاء بتهم الكذب الموصوف ضد الشعب.
و الثاني بأن إعادة التأكيد الأمريكي على “الإعتراف” لم يحضر لنا أي جديد يخلط أوراق الدولة الصحراوية، و لا يمكن أن نكذب على الشعب الصحراوي أكثر، و نقول أنها كانت ردة فعل غير متوقعة من القوة الأولى في العالم، لأن جميع المؤشرات كانت توحي بأن الرباط و واشنطن على قلب رجل واحد، و الدليل أن واشنطن غاضبة جدا من إسبانيا و ألمانيا بسبب المحتل المغربي، و أن التمارين العسكرية للجيش الأمريكي لا يمكن أن يستثنى منها الجيش المغربي، و أن الولايات المتحدة الأمريكية في التصنيفات الأخيرة للدول الآمنة و محاربة الإتجار بالبشر، وضعت الرباط في الخط الأمامي للدول ذات المستوى المرتفع للأمن، و نشرت خارطة المغرب و هي تشمل الصحراء الغربية، و لم تعر القانون الدولي أي اهتمام.
بل نضيف في المؤشرات ما لم تنتبه إليه القيادة الصحراوية و الحليف الجزائري، و يتعلق الأمر بتجديد الثقة في الأمين العام الأممي “أنطونيو غوتيريس” لأن الرجل راهن في وصوله خلال انتخابه للولاية الأولى على محور الرباط – دبي – الرياض – باريس – لندن –واشنطن، و هو المحور الذي يمثل التيار النافذ و الأقوى داخل الأمم المتحدة، و الدليل على رضا هذا المحور عن شخص الأمين العام و خدمته للطموحات الأمريكية، هو الاجتماع الطارئ الذي عقدته ألمانيا بدعم من إسبانيا و الجزائر، من أجل مناقشة القرار الأمريكي بخصوص الصحراء الغربية و معارضته بمجلس الأمن، إلا أن الاجتماع لم تروج له الأمم المتحدة كحدث كبير أو كموقف قوي، و حضره بعض الدول غير المؤثرة في القرار الدولي و أنهت الولايات المتحدة الجدال بتعميم القرار على كل الدول الأعضاء بمن فيهم روسيا و الصين، و انتهت قصة المعارضة الألمانية بعدائها مع الرباط الذي يعرف الجميع تفاصيله، و من نتائجه فشل مؤتمر برلين الأخير.
خطورة التأكيد الأمريكي تتجاوز خطورة القرار الذي وقعه “ترامب” قبل مغادرته البيت الأبيض، و رغم أن هناك من سيقول بأنه لا يوجد قرار أشد على الشعب الصحراوي من قرار إدارة “ترامب”، لكن الحقيقة أنه يوجد، لأن موقع “إكسيوس” الأمريكي المقرب من البيت الأبيض و الذي ينشر أسرار الإدارة الأمريكية، كشف عن اتصال سري جمع بين كبير مستشاري الرئيس الأمريكي “بايدن” و وزير خارجية المحتل المغربي “ناصر بوريطة”، و كان موضوع الاتصال هو طمأنة الرباط حول الاعتراف الأمريكي و تأكيده، ثم دعوة الرباط للقبول بالمبعوث الجديد الإيطالي “ستيفان ديميستورا”، الذي كان مبعوثا شخصيا للأمين العام الأممي إلى سوريا و سبق له الاشتغال في العراق و أفغانستان و له تجربة تصل إلى 40 سنة من الدبلوماسية التدبيرية للأزمات.
الخطورة تكمن في أن هذا المبعوث يحمل رقم 13 من ضمن المقترحين للوساطة في ملف الصحراء الغربية، و أن الولايات المتحدة صاحبة المقترح منحت حسب الموقع الأمريكي ضمانات للرباط بأنه لن يخرج عن المقترح المغربي بل سيدعمه، و من المنتظر أن تمارس الدول الخمس الدائمة العضوية ضغوطا رهيبة على الجزائر للقبول به، و لن تستشار الدولة الصحراوية، على اعتبار أن العالم أصبح يعتقد بأن الأزمة هي بين النظامين المغربي و الجزائري، خصوصا منذ وصول “تبون” إلى السلطة و المواقف التي أبانت أن الجزائر هي من تتحكم في القضية، و أن الملف لن يتحرك من مكانه إذا لم يحصل توافق النظامين حول الرجل المكلف بالوساطة.
هذه المؤشرات تمنحنا نظرة عن المستقبل القريب للمفاوضات في قضية الصحراء الغربية، و تؤكد أن وزن الولايات المتحدة الأمريكية و قوتها الدولية و أيضا قوة “اعترافها” سيكون ذا تأثير على مسار الملف، و عليه فإن مقترحات المحتل المغربي و على رأسها ما يسمى “مشروع الحكم الذاتي”، ستكون مدعومة من أقوى دولة في العالم…، بينما مطالب القيادة الصحراوية ستكون مدعومة بتنبؤات “سيدي محمد عمار” كبير عرافي الدبلوماسية الصحراوية لدى الأمم المتحدة، و الذي نمنحه هذه المعطيات على سبيل الإخبار، بعد أن تعذر عليه مدَّ القيادة الصحراوية بما يجري في الكواليس الأممية.