بـقـلـم : بن بطوش
قال أحد البرلمانيين الجزائريين و هو في حالة غضب تحت قبة مجلس الأمة، موجها كلامه لمسؤولي البلاد: “آدم أكل تفاحة فخرج من الجنة، و أنتم أكلتم الجزائر كلها و تريدون الجنة !!! و الله لا شفتوها”… هذا العبارات الطريفة التي تفوه بها البرلماني الجزائري الغاضب، تكفينا لنفهم السبب الذي أوصل دولة الحليف إلى ما هي عليه الآن، و الذي لا يشرف الجزائريين بشيء…، فبعد طوابير السيولة في البريد، و طوابير الحليب و السميد…، ينضاف طابور المياه التي جفت من السدود و الخزانات، و عجز نظام “تبون” عن توفيرها للمواطن البسيط دون أن يريق ماء وجهه و يمتهن كرامته….
نقول هذا الكلام غيرة على البلاد التي آوت أهالينا في عز الثورة، و طموحنا أن نراها في أفضل حال و بصحة جيدة حتى نأمن مكر الزمان و تقلب المواقف، نقوله لنذكر بأنها البلاد التي يقول ساستها في السر بأنهم أنفقوا ألف مليار دولار على قضيتنا في عشر سنوات، و أنهم في سبيل نصرة قضايا التحرر حرموا شعبهم من الحصول على بنية تحتية و الخدمات التي تضمن للمواطن الحد الأدنى من الكرامة….نقول هذا الكلام و ندعو الله لنا و لإخواننا الجزائريين: اللّهمّ لا تؤاخذنا بما فعل السـفهاء منا.
في الجانب الآخر، انتهت أخيرا مناورات الأسد الإفريقي، و نفد المحتل المغربي ما وعد به، و شملت ميادينها منطقة المحبس بالصحراء الغربية التي هدد قادتنا بأن يمنعوا وقوعها هناك بأي ثمن، و سمعنا دبلوماسيينا يزبدون ويرعدون على وسائل الإعلام…، فلم ينالوا من خطة المحتل و لم يثنوا عزيمته، و شاهدنا جميعا كيف جربت قوات الاحتلال أسلحة جديدة و كيف أن مداها و قوتها النارية كانت مخيفة، و شاهدنا الفرق بين تلك التمارين و نظيرتها التي يقوم بها جيش الحليف الجزائري، و لا يمكن القفز على الحقائق بأنها مناورات كانت محترفة و حجم القوة النارية و التكتيتات التي استخدمت خلالها كانت متطورة، و أن المحتل قام بتمارين لم تخضع لعملية التصوير و لم تنشر و لم تحضرها القوات الأجنبية، بل شاركت فيها فقط القوات الأمريكية، و تتعلق حسب التسريبات بالعمليات الدقيقة المستخدم فيها التكنولوجيا العالية الدقة و الإنتحاريات المسيرة.
احتجنا إلى إعادة كتابة المعطيات التي يعلمها الجميع فقط كي نرفع اللبس عن الفهم فيما هو قادم، و كي نشرح الأسباب التي عجلت بتوجه قائد الجيش الجزائري، “سعيد شنقريحة”، إلى موسكو، إذ أكدت المعطيات التي جمعها الروس عن المناورات البحرية الأخيرة بين الجيشين الأمريكي و المغربي، و أيضا مناورات الأسد الإفريقي بأن المحتل المغربي أصبح قويا جدا و يمتلك تفوق نوعي غير تقليدي، و يمكنه حسم المعارك و الحروب الحدودية دون عناء، و هو أيضا ما يفسر التقرير الإسباني الأخير عن تنامي القدرات العسكرية للجيش المغربي، و الصفقة السرية التي وقعتها الرباط مع واشنطن و تهم عشر سنوات قادمة من التعاون…، مع شكوك في وجود بند يتحدث عن الدفاع المشترك بين الرباط و ثلاثة دول قد يكون من ضمنها الإمارات العربية و أمريكا و إسرائيل.
خطورة الوضع لا يمكن تقيمه من تجميع المعطيات فقط، بل أيضا من خلال الإنصات الدقيق للخطابات الأخيرة التي يعتمدها النظام الجزائري، و الذي تؤكد بعد أزمة “بن بطوش” في إسبانيا من حقيقة أن الرباط لا ترى الجزائر ندا لها، بل تتطلع لعداء أكبر مع الإسبان و أنها تسابق الزمن لتحقق التفوق العسكري و الإستراتيجي مع مدريد، و تحاول استثمار الوضعيات المختلفة للشراكات من أجل تركيع الحكومة الإسبانية، و يشرح لنا حوار الرئيس “تبون” الأخير مع قناة “الجزيرة”، و الذي ارتكب خلاله أخطاء إستراتيجية قاتلة تهم الشأن الليبي و الوضع الداخلي للجزائر… هذا الوضع و الخوف من الرباط و قدراتها العسكرية، حيث قال: “أن الجزائر لا تفكر في الهجوم على الرباط و لكن إذا ما فعلت الرباط ذلك فستقوم القوات الجزائرية بصد العدوان”.
الخبراء يشرحون كلام “عبد المجيد تبون” على أنها اعتراف ضمني بالعجز أمام الرباط و عدم القدرة على المواجهة العسكرية، و أن الرئيس الجزائري يعلم بأن قدرات الرباط الراهنة في المجال العسكري تفوق المعقول…، لأن الخطاب الجزائري التقليدي مبني على التحدي و الهجوم و ليس على المهادنة، و الدليل قول الرئيس “تبون” خلال نفس اللقاء أن الجيش الجزائري كان قريبا من التدخل عسكريا في ليبيا، و هذا هو أساس الخطاب الجزائري، الذي لا يؤمن بقوة الدبلوماسية بل بقوة البنادق.
ما كشف عنه التقرير الإسباني عن تعاظم قوة الجيش المغربي و الصفقات السرية و المعلنة، و أيضا ما حصلت عليه الجزائر من تقارير استخباراتية و صور أقمار صناعية روسية عن مناورات الأسد، جعل كبير القادة العسكريين الجزائريين و رغم الوضع الاقتصادي المقلق للجزائر يتوجه إلى روسيا، من أجل المزيد من الصفقات العسكرية، وسط حديث عن رغبة الجزائر في الحصول على طائرات شبحية يمكنها خلق التوازن المطلوب في السيطرة الجوية أو على الأقل الحصول على تطوير لمنظومة S-300 الجزائري، يمكنها حماية سماء البلاد من مقاتلات الـ viper التي تحصلت عليها الرباط… ليبقى السؤال الذي يطرحه الشعب الجزائري هو كيف سيتم أداء نفقات الصفقات الجديدة للجيش الجزائري.
فالمعلوم أن الجزائر خلال سنة 2020 أنفقت 20 مليار دولار على الصفقات العسكرية، بينما لم تتعدى عائدات المحروقات الـ 24 مليار دولار، مما يفيد أن ما أنفق على تدوير عجلة الاقتصاد لم يتجاوز الأربعة مليار دولار بالإضافة إلى عائدات الضرائب و باقي القطاعات التي لا تذر غير ملايين زهيدة من الدولارات، و هذا ما يفسر الأزمة الخانقة الحاصلة الآن في الجزائر التي لم يوفر نظامها ضروريات الشعب الجزائري، و التخوف القائم لدى الإستراتيجيين الجزائريين، هو أن يتكرر الإنفاق العسكري بنفس الوثيرة أو أكثر مع تراجع عائدات المحروقات، بسبب التوقف المحتمل للربط الغازي مع إسبانيا و إمكانية رفض الرباط تجديد العقد، و تراجع صفقة الغاز مع الإسبان من 33 مليار دولار إلى 12 مليار دولار، و هي الصفقة التي قال الإسبان أنها تدخل ضمن مجال تعويض الجزائر لمدريد من الخسائر التي تسببت فيها بعد الأزمة الأخيرة، و عودة المحروقات الليبية للضخ في اتجاه أوروبا، و ضعف الأداء الاقتصادي للمؤسسات الجزائرية، هذا كله ينذر بسنوات عجاف قد تجعل من الدولة القارة أرضا للمشاكل، و الكل يخشى من تكرار سيناريو فنزويلا.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك