بـقـلـم : بن بطوش
يقول الدكتور “فيصل القاسم”، الصحفي المثير للجدل و صاحب البرنامج الشهير بقناة “الجزيرة” و الأكثر شعبية بين العرب “الإتجاه المعاكس”، مغردا في حسابه حول تحفظ الجزائر بخصوص تصويت البرلمان العربي ضد توصيات البرلمان الأوروبي ضد المغرب: “قمة الكوميديا الهزلية… النظام الجزائري يتشدق ليل نهار بشعار مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، لكن يتحفظ الآن عن دعم جاره المغرب من أجل استرجاع سبتة و مليلية المحتلتين ؟ أليس من العار أن يساند نظام الجزائر إسبانيا ضد المغرب ؟
“فيصل القاسم” الذي فكر بعقليته العروبية – القومجية، هو كملايين العرب الذين أطلقوا هشتاغ #الجزائر_نظام_الغدر، يصعب عليه – رغم مستواه الصحفي التحليلي- أن يفهم الموقف الذي وضعت فيه الجزائر نفسها، و يصعب عليه تقييم حجم خسائر هذا النظام من القضية التي أصبحت تحمل اسم “بن بطوش”، و التي أرادت إسبانيا و الحليف الجزائري معها تدويلها أوروبيا و جعلها ذات أبعاد إستراتيجية، فخلقت جدلا أثر على العلاقات الأوروبية العربية، و لا تزال التمارين العسكرية تجري بسببها لإرسال البرقيات المستعجلة و رسم حدود المصالح الآنية.
و نحن على هذا الموقع الحر نستغرب كصحراويين أمرين و نعتبرهما في غاية التناقض؛ أولهما أن يتحد العرب ضد الجزائر، و جميعنا تابعنا كيف كانت لغة الانتقاد شديدة من ممثل الأردن و ممثل البحرين و الإمارات العربية و السعودية و الكويت…، و كيف عزلوا الجزائر و كأنها كيان هجين يعادي المصالح العربية، و انتقل فجأة خلافه مع المغرب إلى خلاف مع كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج، و الثانية أننا نستغرب كثيرا مشاركة الجزائر في هذه الدورة رغم معرفتها المسبقة بأنها طارئة و مخصصة للجواب و الرد على قرار الإتحاد الأوروبي الذي دعم مدريد في صراعها مع الرباط، و كان الأفضل للجزائر أن تتفادى الإحراج و أن تعلق مشاركتها أو تخفضها أو تمتنع عن الحضور في هذا الجلسة الطارئة، لتعارض الموضوع مع مصلحتها و مصلحة الشعب الصحراوي، لأن دعم الرباط ضد إسبانيا و الإتحاد الأوروبي هو دعم للرباط ضد القضية الصحراوية التي تعتبر الأزمة الإسبانية – المغربية أحد مضاعفاتها.
غير أن حضور الجزائر و تعبير ممثلها عن تحفظها عن التصويت و تبرير ذلك بأنها أزمة ثنائية بين الرباط و مدريد، و أنه لا يجب توريط البرلمان العربي فيها، في وقت تخندق فيه كل الأوروبيين وراء مدريد، تعتبر تجديفا و طعنا في خاصرة الوحدة العربية الإسلامية، و الأكثر من ذلك أن الأزمة جرى تحويرها و لم تعد بسبب قضية “بن بطوش”، بل أصبحت قضية كرامة بين السياسيين الإسبان و المغاربة، و قضية حدود و هجرة بين الأوروبيين و المغاربة، أي أنها تحولت إلى صراع بين الفكر المبريالي التوسعي و بين الرغبة المغربية في إثبات الاستقلالية، و هنا نطرح السؤال : فهل ثمة مساحات مظلمة في الموقف الجزائري، يجب علينا كشعب صحراوي فهمها؟
في البداية يجب القول بأن الجزائر أنفقت الكثير من الزمن و المال في صراعها للسيطرة الجيو- سياسية على المنطقة المغاربية، و انتقال الأزمة بين مدريد و الرباط إلى أزمة أشمل بين بروكسيل و الرباط، ترى فيه الجزائر فرصة ذهبية لتحقيق هذا المخطط و إضعاف الرباط، خصوصا و أن المغرب يعتبر الشريك المغاربي الأول للإتحاد العجوز، و الاستثمارات الأوروبية هي واحدة من أسرار قوة الاقتصاد المغربي، و أن هذه النتائج الخلافية للأوروبيين في العلاقة مع الرباط بوادرها تعود إلى تواجد “تبون” في ألمانيا، و تمكنه من كسر العلاقات بين الرباط و برلين، فيما جرى استثمار أزمة “بن بطوش” لضرب العلاقات بين مدريد و الرباط، و للحفاظ على مستوى مستقر من العداء الإسباني- الألماني تجاه الرباط، وثقت الجزائر ذلك بمنح الدولتين الأوروبيتين امتيازات غازية غير مسبوقة، قال عنها صحفي جزائري مقيم بفرنسا: أن الجزائر أصبحت تمنح ألمانيا و إسبانيا الغاز بشكل شبه مجاني، مقابل الحصول على مواقف عدائية منهما تجاه مصالح الرباط.
و كمستوى ثاني من الخسائر في حربها الجيوسياسية مع الرباط، فإن الجزائر – حسب المتداول- ينفق سنويا ما قدره الخمس مليارات دولار، على القضية الصحراوية، و أن تلك الأموال تتمثل في المنح التي تقدم للشباب من أجل الدراسة أو تلك التي تنفق على المخيمات الصيفية، و ما يقدم للمناضلين الصحراويين كي يحصلوا على الغنج في الدول الأوروبية أثناء مشاركاتهم في المحافل، و ما يتم إنفاقه على الدبلوماسية الصحراوية، و هناك جزء كبير من هذه التمويلات يتم ضخها في حسابات كبار عساكر الجيش الجزائري للإبقاء على مواقفهم من القضية، و لا نقول هذا لتعرية الحقائق و فضح قادتنا و قادة الجزائر…، بل لتقييم خسائر الجزائر التي يطالبها العرب بالتوقف عن العداء للرباط و مبادلتها الود و الحبة.
المستوى الثالث من هذه الخسائر هو الأصعب، إذ تفرض الرباط على الجزائر بسبب التاريخ الحربي بين البلدين تسلح غير تقليدي، يكلف الجزائر حوالي الـ20 مليار دولار سنويا، و تريد الجزائر الحفاظ على هذا المستوى من التسلح رغم الجائحة و رغم تراجع أثمنة المحروقات و رغم الظروف الاقتصادية المزرية بالبلاد…، و يبرر كبير الجيش الجزائري “شنقريحة” الاستمرار في مسلسل التسلح، بعدم ثقته في المغرب و الذي يعتبره جار متقلب المزاج و متمرس على الحروب، و الدليل أن الجزائر و الدولة الصحراوية أرادوا فرض حرب استنزاف عليه لكن الأمر فشل، فيما الرباط لا تزال مؤشراتها الاقتصادية جيدة و لم تتضرر من الوباء التاجي، بل خلقت اقتصاد ممتص للصدمات، و في أوج الأزمة الوبائية عقدت صفقة تسلح قياسية بشراء 24 مقالة من الجيل الخامس f-16-viper، و راجمات بعيدة المدى و منظومات رادارية و بطاريات حماية جوية و مسيرات عالية التكنولوجيا…
لا يمكن للعرب بين ليلة وضحاها لوم الجزائر في ظل المعطيات الواردة في المقال، و لا يمكن للجزائر أيضا أن تضل في صدام مع الدول العربية، بسب قضية مصيرية للشعب الصحراوي، لأن المعادلة هنا غاية في التعقيد، و وجب من الجزائر إما أن تنهي مشاركاتها العربية أو أن تخفضها للحد الأدنى، و تبحث عن تكتلات بديلة بعيدة عن النوادي العربية، أو أن تتأقلم و تستأنس بالانتقادات العربية اللاذعة، سواء تلك التي تبث على القنوات بالبرامج الحوارية، أو تلك التي تحدث في الاجتماعات، فيما القضية الصحراوية بعد موقف البرلمان العربي تبين أنها لا تمتلك أي مستقبل داخل التكتلات العربية… و من باب الملاحظات ندرج أن الجزائر قبل أسبوع امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الوضع السياسي في ميانمار، القرار أدان العنف الذي يمارسه الجيش ضد مسلمي الروهينغا منذ الانقلاب العسكري على السلطة المدنية… فهل تكون مجرد مصادفة؟ !!
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك