بقلم : الغضنفر
جميع ثورات التحرر الوطني في افريقيا تمكنت من طرد المحتل ونالت استقلال بلدانها، الا “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب” المعروفة اختصارا بـ “البوليساريو”، التي ما زالت تطالب منذ سنة 1973 باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب و – للأسف- فقد أخلف التاريخ وعده بالنسبة للصحراء الغربية، بعد أكثر من 38 سنة من اللجوء بأراضي لحمادة في الجنوب الجزائري.
فخلال عمليات اللجوء في سنوات السبعينات كان السؤال لماذا نهجر ديارنا و الغالبية من أهالينا فضلت البقاء تحت إدارة المحتل؟… وصار السؤال خلال فترة الحرب في الثمانينات كيف سننتصر؟ … وانتقل السؤال في سنوات التسعينات – بعد وقف إطلاق النار في 1991- متى سينظم استفتاء تقرير المصير؟… و انتهى السؤال مع بداية هذا القرن كيف نضمن احترام حقوق الإنسان بالصحراء الغربية؟… ليتحول إلى المطالبة بتوسيع صلاحيات “المينورسو”.
و كانت الأجوبة كثيرة عن كل سؤال كلها كانت تعطي تصورات و آمال في حل القضية الصحراوية في أقرب وقت، لكن سرعان ما تخبو تلك التطلعات و يتم تعويضها بتطلعات أخرى… و .هكذا دواليك… تمر السنوات بل العقود…. و الضحية دائما هو “الشعب الصحراوي”، المطحون بين جبروت المحتل و عجز القيادة بالرابوني ، التي هرمت و تهاوت رموزها التاريخية الواحد تلو الآخر، فمنهم من قضى نحبه و منهم من دخل مرحلة الاعتلال الجسدي، دون أن يرى الصحراويون فجر الاستقلال.
القيادة تقول دائما إن الشعب الصحراوي سينتصر و أن سنة 2015 ستكون حاسمة… و أن طريق التحرير هي الوحدة الوطنية، لكن أين هي “الوحدة” في خضم الخلافات و الانشقاقات التي زرعها غراب كناريا “عمر بولسان” في الصف النضالي بالمناطق المحتلة ؟ و أين هي “الوحدة” في ظل الاحتجاجات التي تعرفها مخيمات العزة و الكرامة؟ و أين هي “الوحدة” في ظل تفشي القبلية في المخيمات و اعتبارها مقياسا للحصول على مناصب القرار و كذلك في قمع أي تحرك احتجاجي أو مطلبي للاجئين، كان آخرها استعمال عناصر من “الركيبات السواعد” ضد إخوانهم من “لبيهات” فيما أصبح يعرف بقضية “محجوبة”.
هذا التباين الشاسع بين حلمنا بإقامة دولة على تراب الساقية الحمراء و وادي الذهب، و واقع الخلافات بين الصحراويين في تدبير هذا الحلم و جعله حقيقة على الأرض، هي ما سهل على المحتل المغربي استغلال تناقضاتنا و خلافاتنا ليتحكم في الساحة النضالية بالمناطق المحتلة، بل و يسجل اخترقا داخل المخيمات بعد سنوات من استعصائها عليه، وهي ما جعلته كذلك – بعد أن اطمئن على سيطرته على الوضع- أن يقوم بخطوته الاستفزازية بتنظيم منتدى “كرانس مونتانا” بعاصمة وادي الذهب، دون أن يتوجس من ردود الفعل الدولية … السؤال هل هناك علة في الشعب الصحراوي، أم أن ثمة اعتلالاً مزمناً في تدبير مشكل الصحراء الغربية، أم أن هناك أسباباً غير هذا وذاك؟
ما لم تستطع قيادتنا استيعابه و معها حليفتنا الجزائر هو أن العامل الاقتصادي أصبح اليوم هو المحرك الرئيسي للعالم و للقوى العظمى وليست الأمور السياسية، حيث أصبحت السياسة وسيلة لخدمة الاقتصاد و ليس العكس.
فالمحتل المغربي نجح عبر شركاته الاقتصادية في أن يتوغل في العمق الإفريقي و أن يفرض على العديد من الدول التي أقامت شراكات اقتصادية معه أن تتماشى معه في طرحه حول قضية الصحراء الغربية، و لا أدل على ذلك حادثة سفير “الكوديفوار” بالأمم المتحدة الذي أقالته حكومته لمجرد أنه عبر عن حقيقة نزاع الصحراء الغربية.
في الطرف الآخر، و بما أن قيادتنا تفتقر إلى المؤسسات الاقتصادية لمجاراة المحتل المغربي، فإن الحليفة الجزائر التي نعول عليها –مرحليا- في أن تنوب عنا في هذا المجال عجزت عن خلق إقلاع اقتصادي ببلادها و بالتالي عن غزو الأسواق الخارجية، نتيجة تقوقعها في الفكر الاشتراكي الذي أثبت فشله مع انهيار سور برلين و سقوط الاتحاد السوفياتي، حيث بقيت الجزائر تعتمد فقط على عائدات بترولها و غازها من أجل إقناع حلفائها بقضيتنا، غير مدركة بأن ثروتها النفطية ستتبخر في السنوات القليلة المقبلة.
للأسف، نجح المحتل المغربي في تمرير خطابه السياسي من ملف الصحراء الغربية، عبر عزفه على الوتر الحساس للعديد من الدول ألا و هو الاقتصاد و سبل تنميته في إفريقيا، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، و هو ما جعل ممثلين عن 115 دولة و منهم 31 دولة افريقية يتسابقون للمشاركة في “منتدى كرانس مونتان” بالداخلة المحتلة، غير مبالين بالتبعات السياسية و لا بقرار الاتحاد الإفريقي بمقاطعة هذا النشاط بدعوى تنظيمه على أرض نزاع، و منهم ممثلين رفيعي المستوى عن جنوب إفريقيا، حيث تطرح مشاركة وفد هذه الدولة التي نعتبرها الحليفة القوية لنا بإفريقيا و العالم، علامات استفهام كثيرة خصوصا مسألة دور السفارة الصحراوية بهذا البلد.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
[email protected]