في الذكرى الـ 60 لاستقلال الجزائر: ترقية ”شنقريحة” بالزغاريد و استعراض عسكري ضخم بالترسانة الروسية… !!
بـقـلـم : بن بطوش
قبل مشاهدتنا لعروض الاستعراضات العسكرية الضخمة خلال احتفالات الذكرى الـ 60 لتأسيس الجزائر، كان هناك مشهد غاية في الكوميدية عندما تم الاحتفال – على وقع الزغاريد – بترقية قائد الجيش “سعيد شنقريحة” إلى رتبة فريق أول، بعد عامين فقط عن ترقيته إلى رتبة فريق، و هو الأمر الذي يعتبر سابقة في تاريخ الجيوش في العالم أن تتم الترقية بهذه السرعة رغم عدم وجود حرب و أن يتم استدعاء النساء للقيام بالزغاريد عوض موسيقى عسكرية… و بين مشاهد الاستعراض و مشهد الترقية العجيب تذكرت ما قصده المجاهد و الفنان الراحل الجزائري “محمد الباجي”، الشهير بـ “خويا الباز”، حين عزف أغنيته الخالدة “ملي أستقلينا ماتهنينا”…، فقد كان الجميع يظنه مجاهدا متحاملا على النظام الجزائري، و يبالغ في نعته بخليفة الاستعمار…، لأن الرجل أحس بغصة حين انقلب “بومدين” على رفيق دربه “بن بلة”.
لكن بعد الاحتفالات الستينية – الباليستية العابرة للقارات، التي نظمها الجيش الجزائري و غابت عنها المؤسسات المدنية للبلاد، أيقن الجميع بأن الجزائر لا تزال تعيش مرحلة الحرب الباردة، و أن هذا الوطن لا يزال يحكم بالنار و الحديد، خصوصا بعدما كتب الإعلام الرسمي الجزائري عنوانا موحدا سيخلده التاريخ كأول جيش دولة في العالم يهدد الداخل و الخارج و لا يفرق بين العدو و الحبيب، إذ نشر على صفحاته الأولى و باللون الأحمر: “أضخم استعراض عسكري في تاريخ الجزائر.. رسائل للداخل والخارج”، ليطرح النشطاء الجزائريين سؤالا موحدا كوحدة عنوان الاحتفالات، يقولون فيه : إذا كان أعداء الخارج معروفون و مكشوفون، فمن يكون أعداء الداخل الذين يريد كبير الجيش الجزائري إرهابهم بالأرمدة التي شقت شوارع العاصمة الجزائرية و عبثت بإسفلت طرقها، و أذهلت المواطن البسيط الذي نسي لبضع ساعات عناء الطوابير و شح الصنابير و غلاء الفواتير…؟
عليك أيها القارئ الصحراوي أن تتجرد من مشاعر الامتنان كي تتحمل قساوة النقد الذي ستجده في هذا المقال الغاضب، لأن كمية الإهانة التي أصابتنا كشعب صحراوي في هذه الذكرى تكفي لتغضبنا جميعا و تجعلنا نطالب بالتوضيح من البيت الأصفر الذليل، و من الحليف الجزائري الذي أخذته العزة بالذنب و أصر أن يهين مشاعرنا يوم فرحتنا باحتفالاته، ذلك أن الرسائل التي أرادها أن تصل إلى الداخل ليست موجهة إلى الباحثين عن الاستقلال في منطقة “القبايل” المتمردة على النظام الجزائري، لأن الانفصاليين هناك لا يمتلكون حتى الآن العتاد و لا التسليح و لا الشجاعة للخروج من أجل صد هذا الجيش بذلك التسليح، و ليست موجهة للإرهابيين و الحركات التي كانت تختبئ في الجبال، لأن جميع تلك التنظيمات أصبحت على اتصال بالأجهزة السرية الجزائرية و تتحرك بمشورة الجيش الجزائري حسب التقارير الأوروبية و الأمريكية الأخيرة…، بل هي رسائل موجهة إلى دول الجوار و موجهة أساسا للقيادة الصحراوية و جيشنا الشعبي … و إليكم الإشارات و الأسباب.
فقائد الجيش الجزائري أبرق البيت الأصفر برسائل تهديد واضحة، و كان الأخ القائد في المنصة يجلس متجهما و كأن كرسيه من الجمر، فالرجل سمع ما لم يرضيه خصوصا بعد التسريبات التي حدثت في الإعلام الفرنسي و المرتبطة بنتائج زيارة المبعوث الأممي “ستيفان دي ميستورا” إلى الرباط، و التي قيل أنها حددت بنسبة كبيرة مصير ملف النزاع، و أن غالبية الشعب الصحراوي بدأت تميل إلى الخيار المطروح على المائدة بعدما أيقن أن النظام الجزائري لا يمكنه المغامرة أكثر لأجل فرض حل على الرباط، و أنه يسعى لترك القضية معلقة و تخدم صراعه مع الرباط، و أن القيادات الصحراوية التي بدأت تشتبه في نوايا قصر المرادية أصبحت ترى أن “الحكم الذاتي” إن لم يكن يرضي كل الطموح الصحراوي، فهو في ظل الظروف الراهنة يبقى الممر الوحيد نحو الوطن و يمنحنا القطعة الجغرافية التي تصون لشعبنا ما بقي من كرامة الإنسان الصحراوي، و تشعرنا بأن سنوات اللجوء قد شارفت على نهايتها و إن خابت أمانينا في مشروع الدولة الصحراوية.
التخوف الجزائري من الموقف الصحراوي، هي المرة الأولى التي سنضطر لإصدار حكمنا عليه بأنه غير مبرر، و أن الأمر مجرد وساوس سياسية و عسكرية و هواجس سببها اجتهادات غير مدروسة من الأجهزة العسكرية الجزائرية، التي تظن أن القيادة الصحراوية قد تخضع لإرادة المواطن الناقم على الحياة في اللجوء و الذي يضغط على البيت الأصفر المقهور، كي يقبل بالعروض التي تصله عبر الوساطات الصحراوية من أجل القبول بمقترح الحكم الذاتي و إنهاء النزاع، و أنه في حالة رفض الجزائر للأمر قد يحصل تمرد صحراوي على السلطات الجزائرية، و أن الترسانة الصحراوية قد تتحول فوهتها إلى صدور الجزائريين، و هي نفس الوساوس الذي قالت عنها فرنسا في تقرير أجهزتها السري الذي رفع قبل سنوات للرئيس “فرانسوا هولاند”، و جاء فيه بأن “النظام الجزائري قلق من تعالي أصوات الأجيال الجديدة داخل المغرب المطالبة باسترجاع إقليمي بشار و تندوف”، و نسي النظام الجزائري أن الرباط لو أرادت المطالبة بهما لشكلت ملفها كما فعلت مع إسبانيا في قضية الحدود البحرية، و لما ترددت لحظة في التوجه إلى الأمم المتحدة التي لا ترد لها طلب هذه الأيام.
خلال العرض العسكري، لم ينتبه أحد إلى التفاصيل التي تشرح ما يجري من توتر بين ساكن البيت الأصفر و قصر المرادية، إذ لم نشاهد أحد من الضيوف خلال العرض العسكري و هو يتحدث إلى من بجانبه، أو يمنح رأيه في التشكيلات المسلحة، و لم نشاهد الاحتفالية في وجوه ضيوف الدولة الجزائرية، و لم نرى أسماء الرؤساء الكبار لإفريقيا، و لم يظهر أي ممثل للدولة الروسية الركن الركين في الحلف الجزائري، و لم نشاهد الإيطاليين الذين يحصلون على الغاز بسعر التراب، و لم نرى الرئيس الموريتاني الذي اشتكى الجزائر للناتو، و لم نرى “عبد الحميد الدبيبة” الليبي الذي تدعمه الجزائر بكل جوارحها…، لكن حضرت الإمارات العربية التي لا يزال حبر مذكرتها المعارضة لتعيين “بوقادوم” كمبعوث إلى ليبيا لم يجف بعد، و هو الحضور الذي برره النشطاء بمحاولة القادة في الجزائر إرضاء سويسرا العرب بعد الهجمة الإعلامية الجزائرية الأخيرة على حكام الإمارات العربية، حيث يضع كبار القادة و رجال الأعمال الجزائريين أموالهم.
لقد كان المشهد غريبا على المنصة، رئيس السلطة الفلسطينية “عباس ابو مازن” لأزيد من ساعة ونصف يجلس دون حراك، و كأنه يستجوب في مخفر للشرطة، حتى أنه لم يلتفت إلى الجهة التي يتواجد بها الأخ القائد “ابراهيم غالي”، و الرئيس التونسي “قيس السعيد” الذي اكتشف أنه القائد العربي الوحيد الذي تورط و قبل دعوة حضور الاستعراض العسكري، فقد منحنا الانطباع على الأقل أنه هو من قبل أن يستدرج للاحتفال بطيب خاطر، بعدما أغراه النظام الجزائري بفتح الحدود.
بحثنا عن صورة للزعيم “إبراهيم غالي” من الكواليس يحاور أو يسلم فيها على رئيس السلطة الفلسطينية أو قائد حركة “حماس”، فلم نعثر له إلا عن صورة وحيدة جمعته مع الرئيس “تبون” و قائد الجيش الجزائري “شنقريحة”، كان فيها “إبراهيم غالي” يصافح الرئيس الجزائري و عينه بشكل لا إرادي تسلم على قائد الجيش “شنقريحة”، الحاكم الفعلي للبلاد…، لقد كانت صورة تختزل كل الكلام، و هي اللقطة الوحيدة التي يظهر فيها الأخ القائد و هو يبتسم مكرها، و وضع لها الإعلام الجزائري كعنوان: “رئيس الدولة الصحراوية يحل بالجزائر”، لكنهم نسوا أن يذكروا اسم العاصمة التي قدم منها و أين تقع جغرافية الدولة التي خرجت منها طائرته…، الصورة أكملت القطعة الناقصة من الأحجية…، لقد بدأت الدوائر تضيق على رقاب قياديينا، فتذكروا هذا العنوان الصحفي الجزائري الرسمي: “أضخم استعراض عسكري في تاريخ الجزائر.. رسائل للداخل والخارج”.
و قبل أن أختم هذا المقال قرأت عنوانا نشرته قناة “النهار” على صفحتها و فيه تدوينة منقولة عن قائد الجيش الجزائري “شنقريحة ” الذي قال للإعلام بالحرف: “سلاح الجيش الوطني الشعبي موجه حصرا للدفاع عن الجزائر”…، فهل من عاقل بين القيادات يشرح للبيت الأصفر الغبي هذه الرسالة.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك