بـقـلـم : بن بطوش
بعد الفوضى الأخيرة بمخيمات أهالينا بتندوف على خلفية مطالب اجتماعية، تبين أن هدف “الهنتاتة” داخل القيادة الصحراوية هو صناعة شعب صحراوي خاضع و مسلوب الفكر و الإرادة، فاستخدموا لأجل ذلك جيشا من الانتهازيين و الوصوليين و تجار المبادئ و مرتزقي الإعلام و ضباع الندوات…، و كانت الغاية أن يدفعوا بنا للشعور بالقوة الخادعة، حتى نقتنع بأن جيشنا الشعبي مستعد و قوي لندعم خيار الحرب مع المحتل المغربي إلى آخر رمق، و أن نظهر جميعا في ثوب الجسور غير المبالي بعواقب هذه الحرب، و كأننا نملك أسرار الشجاعة و نستطيع أن نتغلب على مشاعر الخوف و نقلبها حسب هوانا…، فسوَّق لنا الإعلام الضال و المُضلِّل بأن الحرب مع الجيش المغربي ستكون مجرد جولة واحدة و سيدخل مقاتلونا إلى مدن الصحراء الغربية تحت أنظار العالم…. لكن مع إطلاق أول قذيفة، تبين لقياديينا العسكريين أنهم لا يملكون أدنى فكرة عن ترسانة المحتل المغربي و أن ما دفعهم للمغامرة هو الاعتماد على تقارير مخابرات الحليف الجزائري التي تستقي معلوماتها عن الجيش المغربي من كلام المقاهي عن انتشار المخدرات و البطالة و سوء العتاد و تذمر الجنود …. فلو كانت قيادتنا الصحراوية تعلم قوة جيش الاحتلال ما تجرأت على منازلته، و ما تورطت في معارك ضده، و لظلت فقط تهدد بالحرب كورقة سياسية لا أقل و لا أكثر.
اليوم و بعد انقشاع غبار البيانات العسكرية عن الدك و الأقصاف و ظهور الحقيقة، و بسبب سياسة قيادتنا التي تريدنا أن نؤمن بخياراتها أو أن نتجهز للعقاب في حال مخالفتها، أصبح لكل مواطن صحراوي منا نسختان؛ واحدة يستخدمها أمام “الهنتاتة”، ليثبت بها ولائه و ثوريته ليتفادى بها غضب زبانية البيت الأصفر و قواتهم المسلطة على الرقاب، و نسخة ثانية يجالس بها أهل بيته و أصدقائه الصادقين، الذين يكشف لهم عن رأيه الحقيقي في أن هذه الحرب كشفت ضعف القيادة و هزالة التخطيط و قلة خبرة جيشنا، و صعوبة العودة إلى ما قبل حادثة فقدان معبر الگرگرات الملعون…
النسخة الثانية هي النسخة الحقيقية التي يشترك فيها كل الصحراويون، و هي نسخة الغضب و السخط و الوجع، التي ظهرت بعد أن أيقن الجميع بأننا أصبحنا كصحراويين نحيى حياة سريعة العطب، حياة عكس التي أردناها لا متسع فيها للفرح و السرور، و المصيبة أننا ملزمون بأن نُعِدُّ أبنائنا لحياة أعقد من هاته التي نعيشها، لأن الأمور تتجه نحو الأسوأ…، نحن اليوم في حاجة لإعادة إنتاج قضيتنا، و السؤال هو كم يلزمنا من عقود أخرى؟ و كم يلزمنا من التضحيات لإحياء الثورة التي سُرقت منا و أصبحت بين أيدي النظام الجزائري يوجهها في الاتجاه الذي يخدم صراعه الجيوسياسي في المنطقة…؟ ثم كم يلزمنا من الوقت لإصلاح أعطاب قضيتنا و انتاج قيادة صحراوية تمثل الشعب و تشتغل وفق طموحاته…؟
مدخل هذا المقال لم تُملِه المشاعر و ليس ردة فعل على الخوف من المستقبل، بل هو نكتار ما جمعناه من معطيات سننثرها بين يديك أيها القارئ الكريم، ذلك أن نواكشوط و بعد صمت طويل كشفت لنا عبر إعلامها الرسمي أن جيشها تحصل على رادار RASIT GROUND SURVEILLANCE الفرنسي الصنع، و هو رادار مراقبة متطور جدا و يعمل على تحديد الوحدات المتنقلة في جميع الأحوال الجوية، بمدى قطري للرصد يتجاوز الـ 40 كلم، و يمكن وضعه على منصات مراقبة ثابتة أو على سيارات رباعية الدفع متحركة تتبع لوحدات هجومية، و هذا الرادار تم شراؤه من باريس و دولة الإمارات العربية هي من موّلت صفقته.
الإفصاح الموريتاني عن امتلاك جيشه لأعداد كبيرة من هذا الرادار، جاء بعد التدخل العسكري الذي أسقط به الجيش الموريتاني وحدة عسكرية صحراوية قبيل عيد الأضحى، و تبادل معها النيران، و تمكن خلالها من قتل و أسر عدد من المقاتلين الصحراويين، كان بينهم خبراء عسكريون من الجيش الجزائري، و حسب التسريب فإن مهمة عناصر الجيش الجزائري هو استخدام معدات عسكرية متخصصة في التشويش على مُسيِّرات الشيطان “يعني”، التي يمتلكها الجيش المغربي، لكن يبدو أن المعدات التي أحضرها عناصر الجيش الجزائري لم تتمكن من تضليل رادار RASIT الذي تحصلت عليه عناصر الجيش الموريتاني.
الخبراء و متتبعو الشأن الصحراوي و الجزائري و الموريتاني، رأوا في إعلان موريتانيا امتلاكها لهذا الرادار على أنه تحذير رسمي موريتاني للقيادة الصحراوية، من التجرؤ مستقبلا على تكرار عمليات استباحة الأراضي الموريتانية و جعلها نقطة انطلاق للهجمات على جيش المغرب في الصحراء الغربية، و كانت خارجية “ولد الغزواني” قد سبق لها أن احتجت لدى سفارة الجزائر و طالبت من قصر المرادية التوقف عن إرسال قوات عسكرية و استخدام الأراضي الموريتانية عند استهداف الجنود المغاربة، و هو الاحتجاج الذي لم يُعلق عليه الحليف الجزائري.
بعدما كشف الإعلام الموريتاني عن السر العسكري الجديد، و المتمثل في رادار RASIT الفرنسي، و بعد الكمين العسكري الذي أسقط كتيبة صحراوية كاملة في يد الجيش الموريتاني، و بعد الاحتجاج الشنقيطي على قصر المرادية، خرج الرئيس الموريتاني “ولد الغزواني” بشخصه و كامل صفاته خلال حملته الانتخابية، و هو يترشح لولاية ثانية بعد انتهاء عهدته حيث قال في خطاب موجه للشعب الموريتاني: “أن موريتانيا ستعمل على تحصين حدودها، و لديها علاقات جيدة مع كل جيرانها، و لن تكون موريتانيا منصة ينطلق منها من يريد تخريب الدول الأخرى، و أن الحدود الموريتانية خط أحمر…”،
بهذا الخطاب يكون الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته قد كشف عن كل أوراقه، لأن نبرته التي نعرفها كشعب صحراوي جيدا، يريد أن يخبرنا بها على أن الجيش الموريتاني لم يعد جيشا سهل التجاوز، و أن الأراضي الموريتانية أصبحت محصنة، و أنه يريد أن يُبقي على نفس المسافة من أطراف النزاع، لكنه بهذا الكلام يخطب ود المغاربة و يكشف عن رغبته في الحصول على دعمهم خلال حملته، و هو يعرف تأثير تجارهم و مؤسساتهم الإعلامية في المشهد السياسي الموريتاني.
البيت الأصفر التقط الإشارات التحذيرية الموريتانية التي ألقى بها “ولد الغزواني”، و تأكد أن المناورة الوحيدة التي كانت بين أيدي الجيش الشعبي الصحراوي قد فقدها مع قرار موريتانيا عدم تجاهل تحركات مقاتلينا فوق أراضيها و مواجهتهم، و بالتالي فإن قيادتنا تعلم أنها إذا أرادت تنفيذ عمليات عسكرية ضد جيش المحتل المغربي في أرض مكشوفة كالأراضي المحرمة، فإن الهلاك هو مصير المقاتلين، و ان المّسيرات التي تجوب سماء المنطقة ستحرق الكتيبة بمجرد أن تغادر التراب الجزائري، الشيء الذي دفع بـ “هنتاتة” البيت الأصفر إلى الدفع بالقيادي “مصطفى ولد محمد علي ولد سيد البشير“، عضو الأمانة الو طنية و وزير الأرض المحتلة و الجاليات، أمام الإعلام، ليخبر الرأي العام الصحراوي بأن الحرب انتهت و حُسمت، لكنه لم ينطقها بهذه الصيغة، بل قال: “من يطالبنا باسترجاع الأراضي المحررة و السمارة المحتلة عليه أن يقوم بذلك بنفسه، نحن نواجه واحد من جيوش النخبة في العالم، مجهز بتكنولوجيا الحرب في البحر و البر و الجو…، حتى الجيوش النظامية لا تستطيع الصمود في وجه جيش منظم كهذا، لذلك لا تطلبوا المستحيل…”.
ما قاله “مصطفى محمد علي سيد البشير” يكشف أمران غاية في الخطورة؛ أولهما أن القيادة الصحراوية أخذت تهديدات الرئيس الموريتاني على محمل الجد، و الثاني أنها تعاني من صراع داخلي أضعفها لدرجة أنها لم تعد تتحكم في الجيش الشعبي الصحراوي، و لم تعد تدري ما يجري بساحة القتال، و أن القرارات العسكرية أصبحت تُتخذ من طرف القادة الميدانيين و يبلغون بها القيادة السياسية كأمر واقع، وجب تحمل تبعاته و فقط،…. و للأسف فكلام عضو الأمانة الصحراوية “مصطفى محمد علي سيد البشير”، المعروف عنه صراحته و الذي سبق له أن أثار ضجة بتصريحاته بباريس حول حقيقة الوزراء الصحراويون و كونهم مجرد موظفين لدى الجزائر لا يحلون و لا يربطون، هو نفس كلام معظم الشعب الصحراوي و قناعته.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك