بقلم: الغضنفر
يقولون بأن المنتصرين هم من يكتبون التاريخ، لكنهم لم يحددوا ماذا يقصدون بالمنتصرين في فلسفتهم هاته؛ نسوا أو تناسوا أن المنتصرين ليسوا دائما أولئك الذين انتصروا في حرب ما، بل المنتصرون هم أصحاب القضايا العادلة، الذين يموتون في سبيلها واقفين،... ثم لم يوضحوا جيدا ما معنى أن تموت وأنت واقف؟.. فالوقوف لا يعني دائما استقامة الجسم في حركته أو سكونه، ولا يعني ارتفاع القامة وانتصاب الهامة، ولا يعني أن من سحل سحلا على الأرض و مات قد مات منبطحا، بل فقط هم اغتالوا وقوفه المادي لا المعنوي..!
الوقوف يعني ثبات القلب وما وقر فيه من إيمان وحالة العقل وما ثبت فيه من مقاومة وحالةُ القلم و ما أساله من مداد دفاعا عن الوطن.... الوقوف يعني أن نموت وكلماتنا حية..وحياة كلماتنا بحد ذاتها أقوى من دوي المدافع و هي فن من فنون المقاومة، والفن نصف الوقوف، والقضية نصفه الآخر.. ومتى اجتمعا في شخصٍ كتبا له الحياةَ بلا رحيل.
أكتب هذا الكلام لأخاطب به ضمير الأديب الصحراوي"محمد سالم بشرايا"، الملقب بـ "الدكتور"، الذي أثيرت حوله ضجة إعلامية بسبب منعه من دخول مدينة العيون المحتلة عند حلوله بمطارها، ... و أقول له حاول أن تموت شامخا واقفا، و لا تجعل من أمراضك التي تكالبت على جسدك أن تكون سببا في تمني الموت منحنيا مكسورا تحت سلطة الاحتلال المغربي؛ فالعمى الذي أطفأ بصرك لا تجعله يغشى بصيرتك، و السرطان اللعين الذي نخر أوصال جسدك و جعلك نحيلا تتنقل على كرسي متحرك لا تمنحه فرصة النيل من عزيمتك ... و أينما كتب لك الوفاة فالجسد الفاني سيوارى التراب حتى و إن كان بعيدا عن الوطن ، لكن أعمالنا في الدنيا هي من سنحاسب عليها.
و من لا يعرف"محمد سالم بشرايا" فهو أحد أدباء الثورة الصحراوية، و وجه بارز في صوت الإعلام الرسمي للدولة الصحراوية، و الذي عرف عنه دفاعه المستميت عن خيار العودة لرفع السلاح و أحد منشطي نكبة الكركرات على المستوى الإعلامي، و لعب دورا إعلاميا بارزا في إقناع الجماهير بخيارات القيادة الصحراوية، و كان من الأطر الإعلامية التي راهنت عليها القيادة من أجل التعريف بالقضية الصحراوية على عدة منابر دولية، خصوصا داخل الرأي العام الإسباني، من خلال اللقاءات التي كان يعقدها مع زوار المخيمات من مختلف مكونات المجتمع الإسباني.
كما عرف الرجل بقربه من قيادة الدولة الصحراوية خلال فترة حكم الراحل "محمد عبد العزيز"، و أصبح خلال المرحلة الحالية أكثر قربا من مركز القرار، و أحد الداعمين للأخ "إبراهيم غالي"، غير أن علاقاته مع النخب الشبابية كانت متوترة و عابت عليه تزلفه للنظام في البيت الأصفر، و لعبه دور ماسح زجاج مكتب الأخ القائد، كما عاب عليه الشباب حربه ضد الكفاءات الصاعدة، لكنه اليوم يعاني من وضع صحي متدهور جدا، و الأطباء بإسبانيا أبلغوه بأن الداء الخبيث انتشر في جسده كاملا، و أن الشفاء منه يتطلب معجزة ربانية، و أن عليه أن يتقبل الأمر و أن يحاول تحقيق أمانيه الأخيرة قبل أن يلقى ربه.
الشيء الذي جعل الرجل يطالب بنقله إلى مسقط رأسه بمدينة العيون المحتلة، من أجل إكمال ما تبقى من أيامه بين أهله الذين زارهم مرتين في السنوات العشر الأخيرة، لكن طلبه لقي رفضا أوليا من القيادة الصحراوية التي كانت على علم بأنه من المستحيل تلبية طلبه من طرف سلطات الاحتلال، و رفضت توجيه طلب عبر الـ "مينورصو" إلى تلك السلطات، و تحججت القيادة الصحراوية بأنها في حالة حرب مع المحتل المغربي و أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التواصل مع المغرب بهذا الشأن، و أن القيادات البارزة للدولة الصحراوية جميعها توارى الثرى بالمخيمات أو بالأراضي المحرمة، و وجب هنا التذكير بأن الرباط سبق لها أن رفضت طلبا مشابها من أسرة الرئيس الجزائري الراحل "عبد العزيز بوتفليقة" الذي كانت أمنيته أن يوارى الثرى في مدينة وجدة المغربية،.
لكن النشطاء كان لهم رأي منقسم بين توجهين؛ فمنهم من اتهم السلطات المغربية بالتجبر، و وصفوا ترحيل الرجل و هو في وضع صحي حرج، بالتصرف اللاإنساني و المتنافي مع كل المواثيق الدولية، فيما يرى فريق آخر من النشطاء الصحراويين بأن المحتل أصاب في الأمر، و أنه اشتم في رغبة " محمد سالم بشرايا" نقله إلى العيون، رائحة المؤامرة من النظام الجزائري، و أن وفاته تحت رعاية الاحتلال قد تتحول إلى قضية رأي عام، و إذا ما كان الرجل قد تلقى الرعاية الطبية اللازمة أم أنه تعرض لعملية اغتيال طبية.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
[email protected]
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك