بـقـلـم : بن بطوش
تساءلت رئيسة لجنة الخارجية في برلمان دولة البيرو أمام وسائل الإعلام الدولية باستغراب، و قالت: “كيف أمكن للرئيس البيروفي “بيدرو كاستيلو” الاعتراف بمجموعة من الرحل يعمرون أربعين خيمة نصبت فوق التراب الجزائري… !؟؟”، هذا التساؤل من امرأة تعتبر من أحد مهندسي الدبلوماسية البيروفية، تزامن مع تسريب المعارضة في دولة البيرو لوثيقة شديدة الخطورة (نسخة أسفل المقال)، و هي عبارة عن مراسلة من وزارة الخارجية البيروفية تعرض فيها صفقة مقايضة على الحكومة المغربية، و تقول أن الرئيس اليساري الجديد، “بيدرو كاستيلو ” مستعد لأن يسحب اعترافه بالدولة الصحراوية إذا ما توصل بـ 150.000 طن من الأسمدة الفلاحية المجانية، و هو ما يعادل قيمته 120 مليون دولار أمريكي حسب السعر التصديري الذي يصل إلى 800 دولار للطن الواحد.
ما تقوم به المعارضة في ليما لعله أمر طبيعي و صحي لدولة تراهن على العمل الديمقراطي، و تبتكر سياسيا لتنافس الديمقراطية الأمريكية المجاورة لها، لكن ما يوجعنا كرأي عام صحراوي ليس التوصيف المقيت الذي تلفظت به رئيسة لجنة الخارجية في البرلمان البيروفي، بل المتاجرة الدنيئة لهذا الرئيس بقضيتنا و مقايضتها بشحنة من الأسمدة مهما بلغ حجمها، و كأننا تحولنا إلى مجرد أسهم دبلوماسية تباع و تشترى لابتزاز المحتل المغربي، الذي رفض الصفقة و تجاهلها حتى إعلاميا، فيما المهين أكثر لنا هو تذكرنا ترويج القيادة للاعتراف البيروفي على أنه فتح دبلوماسي، و أنه عملية اختراق ضخمة و عمل بطولي مشترك بين قيادتنا و الحليف الجزائري …، فيما الحقيقة أنها مجرد انتقام من رفض الرباط للصفقة و عمل ابتزازي من يساري بيروفي بدون أخلاق و لا مبادئ سياسية، و هذا التصرف يمنحنا صورة قاتمة عن ساسة المعسكر الشرقي و عن العقيدة اليسارية التي يدين بها كذلك قادتنا.
هذه المقايضة الرخيصة جدا من الرجل الأول في دولة البيرو و الذي لا نتشرف باعترافه و لا بادعائه مساندته قضيتنا مع العلم أن البيرو ليس لها ما تقدمه أو تاخره في ملف قضيتنا…، دفعتنا كفريق صحفي يمارس اليقظة الإعلامية و يقدم أوراقا استشارية للقيادة الصحراوية يصعب تقييمها…، إلى تجميع بعض المعطيات بدأ بالخطابات الدولية التي سمعناها من قادة دول العالم و من الأمين العام الأممي “أنطونيو غوتيريس”، و بالتطورات الأخيرة على الساحة الإفريقية و التي تنذر بتغير عميق في خارطة التكتلات بالعمق الإفريقي، مع تراجع كبير في النفوذ الأوروبي بها، و صعود تيارات اليمين المتعصب في كل من إيطاليا و المجر و السويد…، وصولا إلى تعقد الوضع الأوكراني أكثر و تراجع الصادرات الفلاحية الأوكرانية إلى ما دون النصف…، كل هذه المعطيات تمنحنا صورة على ما سيكون في قادم الأيام من تغيرات في بنية السياسة العالمية، التي ستكون لا محالة جد صعبة و تهدد الوجود الإنساني، فيما قيادتنا و كأنها خارج حسابات الكون الذي نتقاسه مع سياسيين بدون أخلاق يتاجرون بمصير الشعوب التي تبعد عنهم آلاف الأميال، و إن كان أولئك السياسيون يتشاركون هذه النقطة غير الأخلاقية مع قادتنا بالبيت الأصفر.
نشرح هذه الفقرة السابقة أكثر و نوضح الأمر بعمق أكبر، حيث أن الأمين العام الأممي في خطابه خلال الدورة 77 من الاجتماع الدوري لمنظمة الأمم المتحدة، دعا الدول المنتجة للأملاح الفسفورية و الأسمدة الحمضية إلى خفض الأثمنة، و رفع الإنتاجية و تمكين جميع دول العالم من الأسمدة الفلاحية، و اعتبر أن العالم يقف على حافة كارثة غذائية كانت موجودة و غير ظاهرة إلى أن فجرتها الأزمة الروسية – الأوكرانية، و أضاف “غوتيريس” أن الوضع سيء جدا على مستوى الغذائي و أن الأزمات ستتعاظم في الشهور القليلة القادمة، و أن التغير المناخي يدعم بقوة هذه الأزمات و ينذر بتفاقمها.
هذا الخطاب الأممي الذي تضمن اعترافا بأن الحروب القادمة ستكون غذائية و مائية، و أن من يمتلك ثروة الفوسفاط هو من سيمكنه تأمين غذائه…، يشرح الحملة الإعلامية الأخيرة التي تقودها باريس ضد الأسمدة المغربية، و كلنا نعلم بأن الرباط رفعت قيمة الأسمدة في السوق الدولية بالتواطؤ مع المنتجين الأمريكيين، مستغلين سحب الصين منتجاتها السمادية من الأسواق العالمية، و توجيهها إلى السوق الداخلية الصينية… وهذا ما أضر بالفلاحة الفرنسية و ضرب قيمتها السوقية، و جعل قصر الإليزيه يلجئ إلى التقارير الإعلامية و اتهام الرباط بتصدير أسمدة ذات حموضة كيماوية مرتفعة، تؤثر على التربة و على الأبدان المستهلكة للمنتجات الفلاحية المستخدمة لها.
جميعنا كنا نظن أن الأمر مجرد نزال دبلوماسي بين الرباط و باريس في انتظار أن يعلن أحدهما الاستسلام لمشيئة الآخر، و أن نفس القتال جرى بين فرنسا و الجزائر بعدما منعت باريس التمور الجزائرية إلى وصول الأسواق الفرنسية في حركة لابتزاز الجزائر طاقيا، و اتهمت المصدرين الجزائريين بتسميم المستهلكين الأوروبيين، لترمي الجزائر المنشفة البيضاء و تخضع في أول اصطدام لها مع باريس عجل بزيارة “ماكرون” إلى “بلاد الشهداء” ليحصل على الغاز [اثمنة تقارب المجانية…، بينما الرباط رفضت الخضوع و رفعت الإيقاع مع باريس، و هي اليوم تصارعها على العمق الإفريقي، و أن أول انتصار حققته الرباط هو انتزاع كينيا من فكي الشركات الفرنسية، و منافسة باريس في موريتانيا و الكوت ديفوار و السينغال و الصومال و الرأس الأخضر و النيجر و مالي و دول التكتل الاقتصادي لغرب إفريقيا…، بينما انسحبت الرباط من إثيوبيا و قررت نقل استثماراتها لإنتاج الأسمدة إلى كينيا، حتى لا تخسر مصر…، و هنا نفتح قوس القضية الصحراوية كي نضع سؤالا أخيرا هو كيف أمكن للرباط حيازة إفريقيا دبلوماسيا و افتكاكها من قبضة فرنسا بواسطة الفوسفاط فقط… !!!؟
الأمر بسيط، بالعودة إلى المشاريع التي كان ملك المغرب قد أطلقها خلال زياراته إلى دول الغرب و الوسط الإفريقي، حين كنا ننبه إلى تلك المشاريع التي أطلقها و نقول أن لها آثارا على قضيتنا في المدى الطويل…، بينما صحافة الحليف الجزائري وكذلك صحافة البيت الأصفر الرابوني كانتا تتهكمان على تلك الاستثمارات و تعتبرها تبديدا لأموال الشعب المغربي و تصنف زيارات الملك المغربي لتلك البلدان في خانة السياحة و الاستجمام…، حينها قلنا أن الرباط تمتلك علما من المستقبل، و أن لها من يخطط بدقة عالية، و بعد الجائحة قلنا أن العالم سيتغير، و أن الرباط ستحتل مكانة أكبر في موازين القوى، و كل ما كانت تحتاجه الرباط هو التكنولوجيا، و هذا ما تحصلت عليه من اتفاق “أبرهام”، و الرباط اليوم هو وحش اقتصادي يوشك أن يقف على قدميه، و أن منصاته المنتجة للأسمدة في إفريقيا ستجعل أوروبا مجرد رقم هامشي في خارطة الغذاء العالمي، و بهذا تكون قضيتنا الصحراوية قد أصبحت نسيا منسيا و خارجة الوجود.
المصيبة أن قيادتنا لم تنتبه إلى الخطابات الأممية و إلى اللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة و وزير الخارجية المغاربة مع الأمين العام الأممي، و لم ينتبه أحد إلى الطريقة التي شكرهم بها و كيف تودد لهم دون بهرجة إعلامية، و كأنه يريد أن يخبر العالم بأن الرباط قبلت عرض الأمم المتحدة بإنقاذ العالم من المجاعة، التي توشك أن تطل على الكوكب الأزرق بعد شهور فقط من الآن، لهذا لم نرى الأمم المتحدة تبدي أي اهتمام بالقضية الصحراوية…، و هذا يجعلنا نتوقع الاجتماع المقبل لمجلس الأمن و كيف أنه سيمر كقطار على ظهورنا، و قد يفصل بيننا و بين أحلامنا.
لإبداء ارائكم و مقترحاتكم
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك