بـقـلـم : بن بطوش
لا تزال صور و مشاهد برامج العطل الصيفية للأطفال الصحراويين تثير النقاش و الجلبة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذه المرة انتقل النقاش إلى عمق المؤسسات الاجتماعية الجزائرية، بعد تداول النشطاء لصور الطفل الجزائري الذي يبيع الحلويات على الشاطئ، تحت أشعة الشمس الحارقة و قد حرم متعة عطلة الصيف في بلده الذي يسبح فوق بحور الغاز و البترول و ينعم بالثروات...، و وضعوا تلك الصور على منصة المقارنات مع صور أخرى تظهر الحماية الوطنية الجزائرية و هي ترعي فلذات الأكباد الصحراوية من المخيمات، و يأخذونهم في جولة بقارب سياحي، و قد وفرت لهم كل ظروف الراحة و الحماية، و قال النشطاء أن الجزائري في وطنه يعاني الإهمال من الشيخ إلى الرضيع، و أن الغرباء لهم نصيب من السعادة في هذا الوطن الذي يكره أطفاله، و يتصرف كأب يحرم أبنائه ليفرح أبناء الجيران.
الحملة التي يقودها نشطاء من الحراك و آخرون من خارج الجزائر، و المنتمين إلى حزب الغاضبين الذين يرون في الجزائر قصعة تقاسم ثرواتها الجيش و السياسيون المنتمون لنادي الصنوبر...، هدفها ضرب اللحمة التي تجمع بين قصر المرادية و القضية الصحراوية، و رغم وسم #الجزائر_للجزائريين، إلا أنه يجب على الجزائري البسيط الذي يعاني من أزمة الطوابير و غلاء المعيشة و قلة المواد الأولية بسبب سياسة حكومته و الظرفية الدولية...، أن يعرف بأن اللاجئين الصحراويين في المخيمات لا يملكون ما يقفون لأجله في الطوابير، و أن كل قوتهم هي قفة واحدة وزنها قليل و أجرها كثير، تضم بعض المساعدات الدولية و ما جاد به كرماء الجزائر، و أن ذلك المواطن الجزائري البسيط عليه أن يعلم بأن الشعب الصحراوي ما كان له أن يغامر و يقامر بترك تراب وطنه، و اختيار اللجوء في شعاب تندوف التي لا تصلح لعيش الذئاب، لولا حصوله على ضمانات من المؤسسات الحاكمة في الجزائر، بأن في بلاد الشهداء سيجد هذا الشعب اللاجئ وطنا بديلا، إلى أن يتحقق الحلم أو نهلك دونه، أو يجعل الله لنا أمرا...
و نخاطب هذا المواطن الجزائري البسيط و الكريم و نقول له، لا تمكروا و لا تتنكروا و لا تتأثروا...، لأن ما يروج له في منصات المقارنات لا يمثل من الحقيقة غير رأس جبل الجليد، فلا تستكثروا على الأطفال الصحراويين بعض الفرح، و جلهم يتامى من أبناء الشهداء و القادة العسكريين الذين غدر بهم الشيطان "يعني" ذات محاولة لاختراق جدار ذو القرنين لهذا العصر، و إن وجد بينهم ابن قيادي "هنتات" لا يزال حيا و ينهب من البيت الأصفر المفزوع، أو حتى حفيدا له...، فأعلموا أن الأمر محض صدفة متواضعة يحق للجزائريين الافتخار بها، لأن موطن أبنائهم الأصلي في ضواحي باريس و مدريد و جزر الكناري...، و منهم من جهاجر إلى الأمريكيتين و أصبحت له مشاريع عقارية و فنادق و مصحات...، و هذا مقام آخر تصح فيه المقارنات أكثر من المقام الأول.
هذه المقدمة دبجتها بكلام حز في قلبي و أنا أتابع نقاش النشطاء الجزائريين الذي أوجع انتمائي الصحراوي الممزوج بعشق جزائر الشهداء، هذا الوطن الحليف الذي آوانا و جمع شتاتنا و أكرم وفادتنا...، هو اليوم يزيغ عن السكة التي أرادها له شهداؤه، إذ عبر رئيس الحكومة الإسبانية أخيرا عن رأيه بعد إعلان قصر المرادية عن تراجع و وقف تجميد اتفاق الصداقة و إعادة فتح الأنشطة البنكية و التجارية، و قال رئيس الحكومة الإسباني كلاما فيه الكثير من التعالي الأوروبي و التفوق الأبيض، و كنا نتمنى أن تنتهي قصة الأزمة الإسبانية الجزائرية كما حدث مع المحتل المغربي، بإخضاع مدريد للمشيئة السياسية الجزائرية، و أن يحضر "سانشيز" مهزوما مدحورا مهانا... إلى قصر المرادية كي يعلن عن إلغائه دعم المحتل في ما يسميه "الحكم الذاتي" كحل أوحد لقضية الصحراء الغربية، و أردت كجميع الجزائريين و الصحراويين أن أرى رئيس الحكومة الأسبانية يتحدث في حضرة الرئيس "عبد المجيد تبون" و هو ينظر بتواضع و انكسار إلى قبضتي يديه، ثم يعود مسرعا إلى البرلمان في قلب مدريد ليدافع عن موقف حكومته، و يقول أنه خيار إستراتيجي للمملكة الإسبانية و يحظى بدعم شخصي من الملك "فليبي السادس"، و أن يحصل "تبون" نظير تركيعه للإسبان على ترتيب جيد في تصنيف الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيرا، كما حصل على ذلك مع ملك المغرب الذي حل سابعا بعد انتصاراته المتتالية في الأزمات مع الدول الأوروبية.
و يبدو أن الجزائر بعد 50 يوما فقط من اندلاع الأزمة، لم تعد قادرة على الصمود، و كما سبق و أدرجنا في مقالاتنا السابقة، بأن هذه الأزمة كانت مكلفة جدا للجزائر التي أنفقت قرابة المليار دولار على اللوبي السياسي الإسباني لوحده، كي تحجب الثقة داخل البرلمان عن حكومة "سانشييز" و فشل المخطط، و تحدثنا عن فقدان الجزائر لعائدات بأزيد من 22 مليار دولار، نتيجة إغلاق الخط الغازي المغاربي، و أيضا ما جره تلاعبات سونطراك بتدفقات الغاز عبر الأنبوب الثاني ميدغاز، الذي أدى لخسارة الخزينة الجزائرية في ظرف شهرين فقط، أزيد من 6 ملايير دولار، و يتوقع أن تخسر في هذا الأنبوب فقط 12 مليار دولار مع متم السنة الحالية...
غير أن خسائر الحليف المالية و نزيف خزينته لم يتوقف هنا، بل يتواصل مع اضطرار قصر المرادية إلى رفع كميات الغاز المتدفقة إلى روما، و إلى باريس بأثمنة جد رمزية و حتى دون مقابل...، الأكثر وجعا أن الخسارة لم تصب شركة سونطراك فقط، بل شعر بها حتى المواطن البسيط، الذي نفذت أسواقه من المواد الأولية ذات المصدر الأوروبي و التي كانت تصل إلى الجزائر من الدول الأوروبية عبر موانئ إسبانيا، و أصبح الأسطول التجاري الإسباني ينقلها مباشرة إلى موريتانيا و السنغال، حيث تحظى بالإقبال و لا تخضع لرسوم عالية، فيما لم تتحصل الجزائر من الإيطاليين على تبادل تجاري تفضيلي، و لم تصل إلى الأسواق الجزائرية تلك البضائع الإيطالية المطلوبة و بالأثمنة التنافسية...، و حتى الأتراك لم يغامروا بدخول السوق الجزائرية.
نعود إلى ما كتبناه سابقا لنحكم على القرار الجزائري بالخيبة و الفشل، و نقول عن قرارات قصر المرادية بأنها لا تخضع للمنطق و لا للدراسة، و قلنا سابقا بأنها قرارات مصدرها ردّات الفعل المتشنجة و الراديكالية و الانتقامية، لأن النظام الجزائري نسي و هو يقوم بردات فعله...، أنه يصارع وحشا أوروبيا خلفه إتحاد جبار، و أن صراعه مع مدريد جعله يخسر علاقاته مع بروكسيل و كل دول الإتحاد العجوز، مثلما خسر في توتر علاقاته مع المغرب كل الدول العربية و دخل في عداوة مع النادي الملكي العربي القوي جدا و المؤثر عالميا، كما أن التجربة التي نجحت فيها الرباط و هي تخضع ألمانيا و إسبانيا و البرتغال و فرنسا و هولندا...، لم تكن أبدا سهلة و لم تحظى هذه التجربة بالدراسة الكافية من النخب الجزائرية، لاستخراج الوصفة المغربية السحرية لتركيع الأوروبيين، و الأكثر من هذا و هو ما يوجعنا جميعا، أن الجزائر أساءت استخدام سلاح الطاقة الذي تمتلكه...، لهذا فالخضوع الذي أبداه قصر المرادية رغم قوة البلد الطاقية و مقدراته بعد حوالي الشهرين فقط من الأزمة مع الإسبان، يجعلنا حذرين و يدفعنا للتساؤل هل يفاجئ قصر المرادية الجميع، و يعلن نهاية التوتر مع الرباط؟ خصوصا مع سياسة اليد الممدودة التي تضمنها خطاب ملك المغرب الأخير.... لست أدري... !!
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك